مقالات الرأى

أحمد فرغلي رضوان يكتب : وداعا جوليا .. ذكريات الانفصال بدون تجميل

0:00

هل كان لابد للانفصال أن يحدث ؟ سيدور هذا السؤال في ذهنك و أنت تشاهد الفيلم السوداني المهم ” وداعا جوليا ” سيناريو إنساني رائع يأخذنا إلى دولة السودان عام 2005 وتحديدا قبل الاستفتاء التاريخي على انفصال الجنوب .
الفيلم يقترب من تلك الفترة الحساسة في تاريخ السودان الحديث بمصداقية كبيرة وبدون تجميل الواقع وهو ما يحسب له، مشاعر إنسانية كثيرة تطرق لها الفيلم مع أداء تمثيلي متميز لجميع الأبطال، إيمان يوسف ، سيران رياك، نزار جمعه، جير دويني.
السرد لسيناريو القصة به تشويق كبير في الأحداث مفاجآت  غير متوقعة نجح المخرج والمؤلف محمد كردفاني أن يقدم السينما السودانية بقوة إلى الساحة العالمية بعد عرضه في مهرجان كان وعدة مهرجانات أخرى وحصده لعدد من الجوائز ، يبدأ الآن رحلته بالعرض التجاري في مصر في سابقة للسينما السودانية وهو يستحق المشاهدة بكل تأكيد.
الفيلم ينتصر لمشاعر الصداقة والتسامح التي كانت ممكنة رغم أصوات التعصب والعنصرية ما بين أبناء الشمال و أبناء الجنوب يسير بنا سيناريو الفيلم ما بين لحظات الحزن والسعادة من خلال شخصيات تمثل النقيضين التسامح و التعصب يعيشون معا تحت سقف واحد مثل منى الفنانة السابقة والحالمة والمتسامحة مع زوجها أكرم المتعصب والمتسلط في أفكاره ضد المرآة وضد أبناء الجنوب وفي مشهد رائع لخص المخرج المشاعر الدفينة تجاه أبناء الجنوب عندما يقوم أكرم بتطهير يده بعد أن أمسك بيد الطفل الجنوبي !
قدم المخرج العديد من تلك الصور التي تختصر الكثير من المشاعر، وتخلص إلى إجابة أن الانفصال كان في طريقه عاجلا أم أجلا بسبب المتعصبين من الطرفين والذين رمز لهما الفيلم بشخصيتي أكرم من أبناء الشمال و ماجير من أبناء الجنوب . البطلة منى التي تجسد التسامح والتعايش مع الأخر نشاهدها بعد حادث مآساوي و عنصري تحاول أن تخفف من الشعور بالذنب الذي تسببت فيه وتتخطى الكثير من الحواجز الاجتماعية حتى لو اضطرت للكذب وسط دهشة الزوج وتنشأ بينها وبين جوليا صداقة لسنوات قبل المواجهة والتي رغم كل الأحداث العصيبة إلا أن الصداقة بينهما انتصرت في مشهد من أفضل مشاهد الفيلم عندما تذهب منى للبحث عن جوليا وبعد أن تلتقيها تسألها عن ابنها الذي تربى في منزلها وأحبته، مشاعر صادقة كانت في الفيلم والذي يغوص بنا في النفس البشرية وكثير من المتناقضات.
الفيلم يتحدث عن جملة من العلاقات الاجتماعية المعقدة بخلاف التعصب والعنصرية بين الشمال والجنوب ، يتحدث عن الزواج والحب والإنجاب، ونظرة بعض المتعصبين للفنون أيضا ، اللافت في الفيلم أن المتعصبين من الجانبين كانوا رجال كليهما  لا يقبل الغفران أو التسامح !
فيلم وداعا جوليا يكشف حال السودان في تلك الفترة الفارقة والانفصال الذي تم بسبب التعصب والعنصرية.
زرت السودان أكثر من مرة ومن بينها مرة ذهبت إلى “جوبا” عاصمة دولة الجنوب عام 2010 لحضور  أحد المؤتمرات وجدت السكان هناك سعداء بالانفصال الذي تم ! أخذت جولة في البلد وفي أحد الأسواق بينما كنت ألتقط بعض الصور ، جاء أحدهم وتحدث بلهجة حادة ويريد أن يمنعني من التصوير وقال حرفيا “لماذا جئت هنا أذهب إلى الشمال عند “البشير “.

زر الذهاب إلى الأعلى