مقالات الرأى

أحمد فرغلي رضوان يكتب : نزوح ..أجوبة كثيرة عن المعنى

الصمت والخوف والقلق كان اختيارا رائعا من مخرجة ومؤلفة فيلم “نزوح” سؤدد كعدان للتعبير عن الوضع أثناء الحرب في سوريا وحسنا فعلت بدلا من تكرار مشاهد الجثث والدماء والمواجهات المسلحة في مثل تلك الأفلام، التركيز في “نزوح”  كان على العائلات والضرر الذي أصابهم وجعلهم محبوسين داخل منازلهم في انتظار المجهول ربما يكون جيدا أو سيئا لا يعرفون!
وفي تلك الظروف العصيبة يأتي طرح فكرة “النزوح” الذي يدور حولها الفيلم وكانت السبب في أكبر كارثة إنسانية في السنوات الأخيرة في الوقت الذي نجد الزوجة “هاله” تريد النزوح مثل معظم أهالي الحي الذين يسكنون به حيث “نزح” الجميع ولم يبق غيرهم وعائلة أخرى تستعد للمغادرة نجد الزوج “معتز” يرفض تلك الفكرة ويعتبر النزوح مثل “العار” سيلتصق به بعد أن يترك وطنه ومنزله الذي بناه بعد جهد وسنوات ويرفض مجرد مناقشة الفكرة! وأن يحمل لقب “نازح” أو “لاجيء”.
الانقسام العائلي في الفيلم يرمز إلى الانقسام الذي ضرب بين أبناء الشعب السوري وكثيرا ما شاهدنا خلافات في الرأي وهناك من بقى وتمسك بالوطن وهناك من قرر الرحيل والبحث عن حياة جديدة !
الفيلم يطرح معنى النزوح وأجوبة عنه من خلال وجهات نظر مختلفة وهي من أهم الأفكار التي تناولتها السينما عن الحرب في سوريا وما سببته من مآساة إنسانية، بشكل متوازن وبعيدا عن الحديث عن تفاصيل سياسية وعسكرية نعيش مع الزوج والزوجة والابنة يومياتهم وسط الدمار !
السيناريو جيد واختارت الكاتبة والمخرجة الانتصار لفكرة النزوح حيث لا بديل وسط الدمار .
كنت أتمنى لو كاتبة الحوار جعلت البطلة نجيب على سؤال  أحد الأشخاص “أنتي تبع مين” تقول وطن بدلا من أن تقول بحر ! حيث كانت تبحث عن البحر للذهاب إلى حياة جديدة! وهنا أقول ماذا لو ترك الجميع الوطن ورحل !؟
رموز كثيرة استخدمتها المخرجة عندما قام البطل بتغطية فتحات القذائف بمفارش وستائر ! وهو ليس حل ولكنه مثل حلول السياسة العربية “مسكنات” مؤقتة ومحاولة أن نداري الواقع والحقيقة المؤلمة.
الفيلم جيد جدا وعرض ضمن أيام القاهرة السينمائية بسينما زاوية وسبق وعرض في مهرجان فينيسيا وحصل على جائزة الجمهور.
الأداء التمثيلي كان متميزا البطلة كندة علوش في شخصية “هاله”  أداء جيد جدا ومتوازن ما بين قبول الواقع في انكسار وطاعة لرأي الزوج في البقاء ثم التمرد عليه في الجزء الثاني وقرار الرحيل مع ابنتها والأداء كان أفضل في الجزء الثاني مع مشاهد إنسانية متعددة وهي تسير في مدينتها تستكشفها من جديد حيث تاهت معالمها وسط الدمار !
سامر المصري الأب الحنون والرافض لفكرة النزوح قدم الكوميديا السوداء بشكل متميز في مشاهده ، دائما رافض الواقع والحقيقة بسبب تمسكه بالمكان وعدم الرحيل وتعامله مع المواقف التي تقابله بشكل ساخر من أجل إيجاد حلول.
الثنائي هلا زين مع  نزار العاني جسدا أحلام المراهقين والرومانسية رغم الدمار والحرب هما مستقبل سوريا.
الفيلم يعيد تذكير العالم بفصل سيء في التاريخ الدمار الذي حدث لسوريا وشاهدته في مدن سورية أثناء زيارتي في عام ٢٠١٥ ونزوح مئات الآلاف عن وطنهم ما حدث لن يغفره التاريخ للعالم.

زر الذهاب إلى الأعلى