مقالات الرأى

ياسين غلاب يكتب:الدولار ..نصف الحقيقة الغائبة

0:00

في الشدائد والأزمات عدم ذكر الحقيقة كاملة خيانة. نعم خيانة. لن أقول إن الدولار ليس عملة احتياط دولية أو إن الدولار ليس عملة مهيمنة؛ ولن أقول إنه أصبح سلعة تؤكل وتشرب وتخزن كالذهب؛ ولن أنفي مسئولية الحكومة عما يجري في سوق الصرف الذي يتحكم فيه مصرفيون يطبقون ما تعلموه عن الغرب فقط، رغم أن رئيس البنك المركزي المصري قالها بوضوح: أزمة الدولار ثقافة؛ ومصر لا تتعامل بالدولار فقط لكنها تتعامل بسلة عملات، وأن الجنيه ارتفع بنسبة 100% أمام الليرة التركية على سبيل المثال؛ كما أنني لن أقول إن الدولار عاجلاً أو آجلاً مصيره إلى الانخفاض أو حتى إلى السقوط والانهيار، كما أنني لن أقول إن الدولار لا يساوي إلا 1% من قيمته الحالية، هي قيمة الورقة التي يطبع بها؛ فما هو اللغز؟
اللغز يكمن في داخلنا وفي خوفنا من المستقبل وفي أنانيتنا وفي جشعنا. لن أعمم فمصر بها الملايين الذين لا يتعاملون بهذه الورقة الخضراء بل إن هناك ملايين أزعم أنهم لا يعرفونه أو لمسوه بأيديهم يوما من الأيام لكنهم للأسف يسمعون عنه من وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت التي لا تكف ليل نهار عن الحديث عن الدولار وكأنها تسوقه؛ وهي بالفعل تفعل ذلك.
إذا عرفنا أن 60% من ورادات مصر تأتي من الصين فهل من المفروض أن نتكالب على اليوان أم على الدولار؟ هؤلاء هم من يتسببون في المشكلة في الحقيقة إلى جانب آخرين. كم يكون عدد هؤلاء هل هم مائة أو ألف أو حتى 10 آلاف مواطن يستوردون من الصين 60% من كل ما يدخل مصر من سلع وبضائع؟ لماذا لا يتعامل هؤلاء باليوان مقابل الجنيه مباشرة، ما هي المشكلة لديهم؟ لماذا يحولون أموالهم إلا الدولار ثم يتم تحويل الدولار إلى اليوان لاستيراد هذا الحجم الهائل من السلع والبضائع؟ هل حاول هؤلاء إيجاد طريقة للتخفيف من أزمة الدولار؛ لا أقول عن الحكومة، بل أقول للتخفيف عن الوطن؛ ذلك الوطن الذي يمدهم بأرباحهم الهائلة. لماذا يصدرون الأزمات إلى الشعب وإلى الحكومة؟
لماذا لا يخرج هؤلاء المصرفيون أو حتى بعضهم إلى الناس إذا ما تمت استضافتهم في القنوات الإعلامية ويقولون ذلك على مسئوليتهم الشخصية؟ لماذا لا يكتبون حتى على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ولو بأسماء وهمية حقيقة ما يجري؟
لماذا لا يخرج المحللون والخبراء وحتى الصحفيين على الناس ويشرحون لهم حقيقة الأزمة؟ هل لأن القنوات هي قنوات رجال أعمال؟ هل لأنهم يخشون أن يضيع عليهم ما يحصلون عليه مقابل ظهورهم على هذه القنوات؟ أتفهم أن قنوات إقليمية ودول إقليمية تدافع عن الدولار لأن احتياطياتها من رؤوس الأموال مقومة به وفك الارتباط به يعني خسارة لهم، لكن ماذا عن دول مثل مصر وغيرها لماذا يسكت أبناؤها عن فضح المستور بل قول المعلن؟ أرأيتم أن الأزمة ليست في الحكومة بل هي فينا نحن؟
قد تكون الحكومة معذورة لأسباب فقرار مثل فك الارتباط بالدولار ربما ينظر إليه كقرار سياسي وقد تتعرض الدولة لعقوبات قد لا تتحملها في هذا الوقت وهي غارقة في التنمية ولا تريد لأي عائق أن يوقفها عن مسيرتها، وربما تكون الحكومة قد أخطأت لأنها لم تحسب حساب الأزمات الطارئة مثل كورونا والحرب الروسية الأوكرانية؛ فهل نحن كشعب طرف والحكومة طرف؟ أم أننا كلنا في وطن واحد سيخسر إذا لم تتداعى له أطرافه وجسده بالسهر والحمى.
بالنسبة للباقين وأنا منهم هل حاولنا أن نخفف عن أنفسنا؟ هنا لا أتحدث عن الفقراء ولا عن المرضى ولا أيضا عن أولئك المجبرين بالتعامل بالدولار، إنما أتحدث عن الذين لا يتعاملون به وهم ملايين وقد لا أبالغ إذا قلت إننا النسبة الغالبة من هذا الشعب الذي تكمن ميزته الكبرى والتي اعتاد أن يهزم بها الأعداء على مر التاريخ وهي ترابطه وتكافله مع بعضه البعض؛ لكن كيف نخفف عن أنفسنا؟ الإجابة بسيطة..فقط نقلل من استهلاكنا بالقدر الذي ترتفع به الأسعار. نضبط أنفسنا فلا نشرب السجائر المستوردة مثلا أو نقلل من شربها؛ أو نقلل من استهلاكنا للحوم أو من استهلاك البنزين إلا في الضرورة أو من السلع التي يمكننا الاستغناء عنها لمدة 6 أشهر أو سنة على أقصى تقدير ..إلخ؟ إذا فعلنا ذلك لن ترتفع قيمة الجنيه فقط بل ستنخفض كل الأسعار وسيكسب الجميع ويصبح قرار فك الارتباط بالدولار قرار شعب وليس قرار حكومة كما فعلت الأرجنتين.

زر الذهاب إلى الأعلى