ياسين غلاب يكتب : طائرة زامبيا: الإعلام والبروباجندا وخدعة الساحر
وكأن طائرة زامبيا لم تحط في مطار تسطع فيه الشمس معظم اليوم؛ وكأنهم لم يروا كود الطائرة وكأنهم لم يعرفوا أنها كانت “ترانزيت” في مطار القاهرة. لم ير الإعلام إلا أنها قادمة من القاهرة. هذا منهج جديد في بروباجندا الحروب. البروباجندا ليست الإعلام. الإعلام يعتمد على المعلومات. كان أول تطبيق لهذا النوع من الإعلام كجزء من بروباجندا الحروب في الحرب الأوكرانية الأخيرة.
سواء تعمدت وسائل الإعلام أو لم تتعمد أن تركز على أن الطائرة قادمة من القاهرة وأن عليها ذهب ودولارات وسلاح ومصريين. هي رأت في ذلك فرصة للمشاهدة والمتابعة. المصريون أكبر عدد في المنطقة يدخلون على الإنترنت ويشاهدون القنوات الفضائية؛ إذن ضمنت هذه الوسائل أكبر عدد من المشاهدة. تأخر البيان المصري فدخل الناس في تيه شديد. البعض يريد أن يصدق أي شيء سلبي؛ هناك في الواقع ما يدعوهم لذلك؛ فقط لأنهم يريدون أن يصدقوا، لديهم انحياز معرفي لذلك.
الفكرة باختصار شديد؛ أنه في ما يسمى بالمجتمعات الديمقراطية؛ تشبه البروباجندا خدعة الساحر: يجب إلهاء الجماهير لحجب ما يجب عليها أن تعرفه أو تتجاهله. هذه الفكرة اخترعها الناتو وهي عبارة عن إضافة مسرح عمليات جديد يضاف إلى المسارح العادية (بر وجو وبحر وفضاء وفضاء إلكتروني” وهو العقل البشري. بحسب فرانسوا دو كلوزيل مدير لمركز بروباجندا تابع للناتو تموله جامعة جون هوبكنز (الشهيرة في موضوع كورونا) وجامعة لندن الإمبراطورية أن العمليات التي تجري في المسارح الخمس أعلاه تهدف إلى إحداث تغيير في البشر (قتل، تدمير، انتصار، هزيمة إلخ) بينما تهدف الحرب العقلية إلى جعل كل فرد سلاح”.
نجحت الخطة وتداول المصريون وغيرهم أنباء الطائرة. كل منهم تصور أنه لديه سبق صحفي. انتشرت التعليقات وتاهت الحقيقة.
هذا النموذج تطور منذ الحرب العالمية الأولى، إذ كانت بروباجندا الحرب مبنية على معلومات كاذبة روجها أشهر كتاب هذه الفترة في الصحف. في الحرب العالمية الثانية، كررت رسائل معينة ونشرت على أوسع نطاق. الآن تتعلق البروباجندا باللعب على عواطف الناس لإلهاء وحجب عنهم ما لا يجب أن يروه. أي يحكم الناس على الأخبار والوقائع استنادًا إلى معلومات ليست لها فائدة والتي يزودون بها. لم يكذب الإعلام (وهذا هو الأخطر فالطائرة أقلعت بالفعل من القاهرة) لكن هذه المعلومة أوهمت الناس بالكلية وجعلهم يرون الأسود أبيضا والعكس بالعكس.
في أوكرانيا، استخدم الغرب إعلامه لخداع مواطنيه. حمل الإعلام الغربي المسئولية كاملة لبوتين وبعض معاونيه. لم يشر هذا الإعلام إلى تقارير منظمة الأمن والتعاون الأوروبية اليومية عما يحدث في دونباس. لم يذكر الإعلام أن قوات كييف هي من بدأت الهجوم، ولا تحدث وسائل الإعلام عن هروب 100 ألف مدني إلى روسيا. لم يسمع الغرب أن زلينسكي قال في مؤتمر موينخ للأمن أنه يريد الحصول على سلاح نووي ضد روسيا؛ أي أن كييف هي من أطلقت شرارة القتال وليس موسكو؛ الآن تسود سردية أن روسيا هي من بدأت الهجوم؛ وبرر الإعلام ذلك بأسباب منطقية مثل أن الغرب لم يقدم الضمانات التي أرادتها موسكو في مينسك 1 ومينسك 2؛ وللإمعان في استخدام الإعلام كبروباجندا، حجب الإعلام الروسي عن الغرب.
أخطر ما في هذه الحرب استغلال ضعف الوعي والثقافة خاصة عندما يكون المناخ المحيط قلقا أو مضطربا أو يتم تصويره هكذا. ساعتها يصبح كل فرد سلاح يصوب نحو نحر الوطن.