مختار محمود يكتب: الإنسانُ هو الحلُّ
النجاحُ يحققُه بشرٌ، والفشلُ يصنعُه بشرٌ. الانضباطُ يحققُه بشرٌ، والفوضى يصنعُها بشرٌ. الخيرُ يحققُه بشرٌ، والشرُّ يصنعُه بشرٌ. الفضيلةُ يحميها بشرٌ، والرذيلة فعلٌ بشريٌ أيضًا. العلمُ يكتشفُه ويطورُه بشرٌ، والجهلُ يحتضنُه بشرٌ. الدولُ القوية يسكنُها بشرٌ، والدولُ المُتدنية يقطنُها بشرٌ أيضًا، ولكن البشر هنا وهناك لا يستويان مثلاً.
إذنْ.. العنصرُ البشريُّ هو حجرُ الزاويةِ في كلِّ شئٍ: بناءِ الحضاراتِ وهدمِها، تقويةِ الدول وكسرِها، إقامةِ المدن الفاضلةِ أو تحويلِها إلى مُدن أشباح. وفي أحايين كثيرة تكون الشياطين والأبالسة حاضرين فقط بصفة “مراقب” أو “متعلم”. البشر فاقوا إبليس خبثًا ودهاءً ومكرًا وسوءًا وقبحًا.
الدولُ المُتقدمة ترفعُ “إنسانَها” إلى أعلى عِلِّيين، والدولُ المُتأخرة تدفعُ به إلى أسفل سافلين. الأولى تنظرُ إليه باعتباره صانعَ حضارتها ومستقبلها وأيقونتها، والثانية تراهُ عبئًا ثقيلًا عليها، يجبُ الخلاصُ منه. الأولى تحميهِ ماديًا وتُحصنه معنويًّا، والثانية تقهرُه حيَّا ولا ترحمه ميتًا. الأولى توفرُ له كلَّ شئٍ، والثانية تعايرُه بكلِّ شئٍ. الأولى تبني له المدرسة والجامعة والمستشفى والمصنعَ، والثانية تبني له السجنَ والمُعتقل. الأولى ترى تقدمَها في مَنحِهِ مزيدًا منْ الحُرية، والثانية تستمدُّ قوتَها فيما تفرضُه من قيودٍ عليه. وما أقسى أنْ تتحدى دولةٌ “إنسانها”!
الإنسانُ هو الإنسانُ، سواءٌ خرجَ إلى دنياهُ في إحدى دول العالم الأول، أو في دولِ “الترسو”، لكنَّ الأجواءَ التي ينشأ ويشبُّ ويعيشُ فيها هي التي تجعلُ منه إنسانًا صالحًا أو طالحًا، مُنضبطًا أو فوضويًا.
الدولُ التي تُربِّي أبناءَها على القيم المثالية والمباديء الإنسانية السليمة تجني من ورائهم خيرًا. والدول التي تُربيهم على السلوكيات السلبية لا تحصدُ منْ ورائِهم إلا شرًا.
الإنسانُ الذي ينشأ في وطنٍ يُقدِّرُ منْ يعملُ ويمنحُه حقَّه كاملًا غيرَ منقوصٍ، ويلتمسُ فيهِ احترامًا للقانون، ولا يجدُ فيه تمييزًا لكبيرٍ عنْ صغيرٍ، أو غنيٍّ عن فقيرٍ، أو قوىٍّ عنْ ضعيفٍ لنْ يكونَ إلا إنسانًا أقربَ إلى الكمال.
أمَّا الإنسانُ الذي يعيشُ في وطنٍ لا احترامَ فيه للعمل، ولا يطبق القانونُ فيهِ إلا على الضعفاء ومعدومي الحيلة، ورجل الدين فيه أكثر نفاقًا من “ابن أبي سلول”، فلا حرجَ عليهِ إذا انتظمَ في القطيع يمارسُ ضلالَ أفرادِه وتضليلهم وإضلالهم.
لنْ ينصلحَ حالُ الوطن، “أي وطن”، دونَ تربيةِ أبنائه مِنْ الصِّغَر على قيمِ: “الحُب والخير والجمال والعدل والحرية”. الأشرارُ، وإن ادعوا المثالية، لا يبنونَ أوطانًا. لا تحمي السماءُ أوطانَ الظلم والكراهية والقُبح، حتى لو اكتظفت بدور العبادة. التربيةُ المنشودةُ لا علاقةَ لها بمسجدٍ أو كنيسةٍ أو مَعبدٍ، فما أكثرَ منْ يصلِّونَ في المساجد، ويترنمونَ في الكنائس، ويتعبدونَ في المعابد. القوانينُ الرادعة لا تصنعُ بشرًا أسوياءَ، ولا تُعيدُ ضبطَ سلوكياتِهم الفاسدة. الأسوياءُ لا يحتاجونَ أصلًا إلى قوانينَ رادعةٍ أو باطشةٍ. بناءُ البشرِ خيرٌ وأبقى وأوْلى منْ بناء الحَجَر.