مقالات الرأى

محمود مطر يكتب : وديع فلسطين.. سيرة رجل نبيل

منذ شهرين فقط رحل عن عالمنا الأديب والصحفي والمترجم الفذ الألمعي وديع فلسطين ..الذي عاش تسعة وتسعين عاما حقق خلالها منجزا فكريا عظيما لكن لأننا أصبحنا نعيش في زمن التريند والبحث عن التفاهات لم يشعر أحد برحيل هذا الكاتب الرائد الذي لقي التكريم اللائق به خارج وطنه أكثر مما لقي من تكريم في وطنه ..فقد كرمته سوريا والأردن حينما منحته كل دولة عضوية مجمع اللغة العربية بها اعترافا بفضله واسهامه الفكري والأدبي وفي الانحياز الكامل للغة الضاد ..ووديع فلسطين المولود في اخميم التابعة لسوهاج بصعيد مصر عام 1923 كان. واحدا من. رواد الصحافة المصرية

عمل بصحيفتي المقتطف والمقطم بعد تخرجه في قسم الصحافة بالجامعة الأمريكية عام 1942 وكان يكتب المقالات الافتتاحية ويترجم مقالات وموضوعات من صحف عالمية وعمل محاضرا بقسم الصحافة بالجامعة الأمريكية لمدة عشرة سنوات ما بين عامي 48و57 وظل الرجل حريصا على استقلال رأيه وكتاباته وانحيازه المطلق لحرية الرأي والتعبير

وبخلاف المقطم والمقتطف كتب وديع فلسطين لصحف ومجلات الرسالة والأديب .. وكان فلسطين مترجما كبيرا ترجم كثيرا من الكتب من الإنجليزية إلى العربية لعل أبرزها كتاب المسألة الفلسطينية للمؤرخ الفلسطيني هنري قطان .. وهكذا اتصل اسمه وديع فلسطين وهو اسم مركب بفعله المدافع عن الحق الفلسطيني والمهموم بالقضية الفلسطينية ..كان فلسطين كما ذكرت مترجما فذا ..وحين استدعى ككبير للمترجمين في قضية دولية كانت شركة الزيت العربية الأمريكية أرامكو طرفا فيها ..لفت بترجمته المتفردة نظر المسئولين بالشركة فاختاروه ليشرف على المجلة التي كانت الشركة تصدرها باسم قافلة الزيت وليحولها من نشرة علاقات عامة إلى مجلة ذات طابع ثقافي ومحتوى صحفي رائع واستكتب فيها كبار الكتاب وفي مقدمتهم عباس العقاد الذي جمعته به علاقة صداقة وطيدة

الف وديع فلسطين وترجم ما يقرب من أربعين كتابا لعل أهمها كتاب وديع فلسطين يتحدث عن اعلام عصره تناول فيه حوالي مائة شخصية من كبار الشخصيات الذين جمعته بهم علاقة ومعرفة عن قرب سواء في مصر أو العالم العربي أو الدول الأجنبية

ولعل من أبرز من القى عليهم فلسطين الضوء وعرف القراء عليهم بشكل كبير الشاعر والكاتب المعروف علي احمد باكثير والمازنى والعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ

اذكر أنني ذهبت عام 2015 إلى فيلا قديمة بمنطقة هادئة بمصر الجديدة كان يقيم بها وديع فلسطين وجلست مع الرجل ما يقرب من ساعتين تحدث لي فيها عن ذكرياته الكثيرة في عالم الصحافة والترجمة وعن علاقته بطه حسين والعقاد ومحمد حسنين هيكل وكان يقيم في الفيلا بمفرده ..تكلم بطلاقة وبسرعة بديهة وذهن حاضر لكن اثر كبر العمر كان باديا عليه بوضوح وسألته أن كان هناك من يخدمه فأجابني بان سيدة بسيطة تأتي إلى فيللته يوما أو يومين من كل أسبوع تعد له طعامه وتغسل ملابسه وترتب غرفة نومه .. وتعجبت كيف لرجل في الثانية والتسعين …عمره وقتها… أن يقيم بمفرده وان يدير أغلب شئون معيشته بنفسه ..رحل وديع فلسطين في الرابع من نوفمبر الماضي لكنه سيبقى دائما واحدا من العناوين البارزة على عظمة الشخصية المصرية في إبداعها وفي حياتها

زر الذهاب إلى الأعلى