مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب: مصر بين التكوين والإرهاب

تناقلت وسائل الإعلام خلال الأسابيع الماضية أخبار إنشاء وتكوين تحالفات وتشكيلات قبلية وثقافية مختلفة بداية من الإعلان عن إنشاء وتأسيس اتحاد القبائل العربية برئاسة رجل الأعمال إبراهيم العرجاني ومرورا أيضا بإنشاء وتأسيس ” تكوين ” لمجموعة من الكتاب والإعلاميين والمفكرين والذين جعلوا الإسلام كدين وعقيدة وشريعة هدفا لهم ووصولا إلى خروج بيانات نفي لا أعلم بصحتها ودقتها ضد تأسيسي اتحاد القبائل العربية وأيضا إعلان الأزهر الشريف عن تأسيس وحدة ” بيان ” لمواجهة الإلحاد والفكر اللاديني

وما بين التأسيس والإعلان عن هذه الكيانات والكيانات المقابلة والمواجهة لها أيا كان توجهها وأيا كانت أهدافها يظل المواطن المصري ساحة مستباحة لكل هذه التيارات والأفكار والكيانات والاتحادات المؤسسة أيا كان هدفها وأيا كانت توجهاتها لكن السؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه الصراعات الوطنية والمؤسسية والفكرية والدينية

 هل مناعة المواطن المصري الدينية والفكرية والثقافية تمكنه من مجابهة هذه التيارات الفكرية الجارفة وتمكنه من مقاومتها والانتصار عليها؟

هل المجتمع المصري وفي ظل الصراعات والتهديدات الإقليمية الخطيرة وما تستدعيه من حاجة إلى الاستقرار والهدوء وعدم الفرقة والتشتت في حاجة الآن وفي وسط هذه الأحداث الخطيرة والمعقدة إلى ” تكوين ” و ” بيان “

هل الدولة المصرية تخلصت من كل مشاكلها التي تواجهها في كافة جوانب المجتمع والدولة ووصلت بالحالة الثقافية والتعليمية في المجتمع إلى أنه يستطيع أن يستوعب ” تكوين ” و” بيان “

هل ارتقت الدولة المصرية ونهضت بمستويات التعليم والدين والثقافة والوعي في المجتمع حتى يتمكن من استيعاب وفهم مشروعات ” تكوين و ” بيان ” واتحاد القبائل العربية

هل وصلت حالة الاستقرار في البلد إلى مرحلة طرح وتقديم هذه التيارات الثقافية والفكرية وخروج التيارات المواجهة والمقابلة لها من المعتدلين ومن المنحرفين والمتشددين والإرهابيين

من الذي سمح بفتح هذه الأبواب وفي هذا التوقيت بالذات حتى يضع المجتمع المصري في مواجهة بعضه البعض وفي وسط معركة فكرية وثقافية ودينية ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب

انظر إلى الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لمجموعة من مشايخ الإرهاب والتطرف والتشدد وهم يتوعدون بالردود المختلفة بأنواعها على مجموعة ” تكوين “

وفي المقابل انظر إلى دعوات التكبر والاستعلاء والجهل والفراغ العقلي من أصحاب دعوات ” تكوين “

هل المجتمع المصري يتحمل أن يقع بين نار هذه الحرب التي من الممكن أن تؤدي إلى نتائج خطيرة ومن يضمن إذا خرجت هذه التيارات الفكرية عن حدودها بل وزادت وتمادت في هجومها على الإسلام ألا يخرج أحد من التيارات المتشددة والإرهابية ويعود بنا إلى سنوات الظلام

إن البنية الفوقية الثقافية والدينية والفكرية والتعليمية لدى المواطن المواطن المصري غير قادرة وغير مؤهلة على استيعاب مثل هذه الطروحات الغريبة والمتشددة من هؤلاء ومن هؤلاء ولا يمكن أن تسمح الدولة لمواطن غير متسلح بتعليم حديث ولا فكر عالمي جديد ولا خطاب ديني يناسب عصره وفكره وثقافته ولا يمتلك الأدوات الثقافية الراقية والمتطورة ولا توجد عنده مستويات عالية من الوعي والفكر والثقافة أن يدخل معركة مع أطراف ” يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون “

من المستفيد من حالة الانقسام الفكري والديني التي من الممكن أن تصيب وتهدد المجتمع المصري؟ ومن يضمن عدم خروج مؤسسات ثقافية أخرى تحت بند الحرية الثقافية ونشر الوعي في المجتمع ونشر الحرية الدينية المطلقة ألا تناقش وتتصدى للقضايا الدينية في المسيحية وفي الكنيسة المصرية على غرار تجربة ” تكوين ” وندخل في حالة من الانقسام الشديد والفوضى المجتمعية التي تهدد أمن وسلامة المجتمع بل وتهدد حالة التوحد والاستقرار في الدولة المصرية

دعونا نتفق على أنه لا يمكن لدعوة ثقافية وبهذه الخطورة أن تخرج وتعلن عن نفسها بدون موافقات مسبقة من الجهات المسؤولة ودعونا نتفق على أنه كان من الممكن بطريقة أو بأخرى وما أكثر الطرق أن يتم ولو تأجيل إطلاق مثل هذه الدعوات الآن وفي مثل هذه الظروف الإقليمية المعقدة والخطيرة حتى تستقر الأوضاع وتهدأ حالة القلق والتوتر لدى الشعب المصري المتابع وبدقة لكل الأخطار التي تتهدد البلاد ويحاول وبكل ما يستطيع أن يتغلب على مشاكلة الاقتصادية والحياتية والمعيشية ويقدم دعمه ومساندته لبلاده وكما هي عادة الإنسان المصري في مثل هذه الظروف

وهل بعد كل هذه الأخطار والمواجهات نحن في حاجة الآن إلى ” تكوين ” , ” بيان”

زر الذهاب إلى الأعلى