محمد صبحي الغنيمي يكتب:- (( الصاغ صلاح سالم… يكتب عن جلاء الإنجليز عن مصر وردود الأفعال في بريطانيا وإسرائيل ))
منذ ٦٧ عاما خرج آخر جندى بريطانى فى يونيو ١٩٥٦ بعد توقيع اتفاقية الجلاء أكتوبر عام ١٩٥٤ بين الزعيم عبدالناصر وحكومة المملكة المتحدة، بعد رحلة طويلة من العمليات الفدائية التى قام بها الفدائيون ضد البريطانيين فى مدن القناة، مما اضطر حكومة لندن للقبول بالخروج من مصر نهائيا وحصول مصر على استقلالها التام..
وكان أحد أعضاء الوفد المصرى الذين حضروا توقيع الاتفاقية الصاغ صلاح سالم، أحد الضباط الأحرار، الذى يروى انطباعاته وردود الأفعال حول توقيع الاتفاقية التاريخية فى كتابه «الجلاء».
يبدأ صلاح سالم الكتاب بقوله: «تولى الشعب حكم مصر لأول مرة فى تاريخها، وعرف أن الاحتلال بقى فى مصر معتمدًا على قوته وعلى أعوانه من المصريين، وكان لا بد للثورة أولا أن تقضى على أعوان الاستعمار، وأن تقوض دعائم دولتهم، وأن تضربهم ضربة لا تكون لهم بعدها قائمة».
ثم يوضح «سالم» طرق إنهاء الاحتلال، قائلا إن هناك طريقين لا ثالث لهما: إما أن تحصل مصر على حقها فى الجلاء عن طريق المفاوضة، بشرط أن يعتمد المفاوض على تماسك الشعب كله واستقرار الحكم، أو الطريق الآخر وهو القتال.
ثم ينتقل «سالم» للحديث عن طريق المفاوضات والقتال خلال حكومات ما قبل الثورة وصدقى باشا والنحاس باشا وغيرهما ومعاهدة ١٩٣٦ وإلغائها، والأعمال الفدائية التى كانت تتم ضد المحتل البريطانى، سواء فى الداخل، أو بعد تمركز الإنجليز فى مدن القناة.
ومجىء ثورة يوليو وتولى الضباط الأحرار قيادة البلاد بعد خلع الملك وبدء المفاوضات حتى توقيع الاتفاقية عام ١٩٥٤.
وينتقل الكاتب للحديث عن تداعيات وردود الأفعال حول هذه الاتفاقية فى بريطانيا حيث ذكر بعضًا مما قالته الصحافة البريطانية حينها عن كواليس الاتفاقية وما حدث بعدها، مشيرا لبعض هذه الصحف، ومنها: صحيفة «الديلى إكسبريس» التى قالت إن أعظم استسلام فى تاريخ بريطانيا يحدث الآن منذ أن استسلم العمال وتخلوا عن الهند، واليوم لا تستطيع بريطانيا الاستغناء عن ٨٠ ألف جندی لحراسة طريق حيوى للإمبراطورية، ولكن فى استطاعتها تخصيص ١٠٠ ألف جندى من قواتها لحراسة ألمانيا للألمان، إن معنى هذا الاتفاق أن بريطانيا لم تعد لها القوة لتحتفظ بقناة السويس..
إن بريطانيا ستصبح ضعيفة هزيلة بعد الجلاء، إن هذا اليوم نصر لكل الأشرار الذين يريدون أن تصبح بريطانيا هزيلة ضعيفة لا تساوى شيئًا.. إنه يوم حداد لنا.
أما صحيفة «الديلى تلجراف» فقالت إن توقيع الاتفاقية سيؤثر على سمعة بريطانيا وكرامتها فى الشرق الأوسط ما لم تبادر الحكومة البريطانية إلى إنشاء قواعد قوية فى جهات أخرى بدلا من القاعدة التى ستخليها الآن، ولن يكفى إنشاء قوات احتياطية متحركة إلا إذا وضح للجميع أن هذه القوات ستكون عاملا فعالا فى الدفاع عن الشرق الأوسط.
أما صحيفة «الديلى هيرالد» فوصفت حال تشرشل: قضى تشرشل أمس ليلة من أسود الليالى التى مرت فى حياته السياسية، فقد كان عرضة للهجوم من أنصاره وخصومه السياسيين فى المجلس، ولم يستطع إلا أن يلزم الصمت، وخاصة عندما اتهمه ووترهاوس بتقويض الامبراطورية بالخيانة.
وقالت صحيفة «الديلى اسكتش» إنه لا شك أنه عندما يزول الأثر الباطنى الناجم عن اتفاق الجلاء سيدرك الشعب البريطانى أنه لم يكن ثمة مفر من عقد هذا الاتفاق.
إن مصر ستصبح ذات قوة عسكرية عظيمة بعد أن تتولى الإشراف على قاعدة السويس وما فيها من معدات ومنشآت.
ونشرت جريدة «ديلى تلجراف» أنه مهما قيل فى تبرير هذه الاتفاقية أو التعريض بها، فثمة حقيقة ماثلة، وهى أنها قد أبرمت وانتهى الأمر وليس أمامنا إلا الاعتماد على حسن نية المصريين.
وذكر سالم ماذا قالت إسرائيل بعد توقيع الاتفاقية فقال:
«قالت الدوائر الإسرائيلية الرسمية فى واشنطن إن اتفاق الجلاء يعد خطرًا على سلامة إسرائيل»،
وقال المتحدث الرسمى لحكومة إسرائيل فى تل أبيب «إن خطرًا يهدد سلامتنا سوف يترتب على جلاء الإنجليز عن القنال».
وأضاف «سالم» أن اتفاق الجلاء كان سببًا فى حدوث أزمة سياسية خطيرة فى إسرائيل، فقد طالب الوزراء رئيسهم موسى شاريت بالاستقالة، لأنه فشل فى إحباط الاتفاق بين بريطانيا ومصر، وعلى إثر ذلك شددت الحراسة على بيت رئيس الوزراء.
وقد نشرت جريدة «حيروت» لسان حال منظمة «أرجون تسفائى الئومى» مقالًا حول الاتفاق المصرى- البريطانى بشأن مستقبل قناة السويس، وذكرت أن البشرى قد زفت إليها، وهى أن الإخوان المسلمين والوفد يتحدان ويعملان جبهة واحدة لمحاربة الاتفاقية، وقالت: وقبل أن تنجح الحكومة المصرية فى إجلاء القوات البريطانية عن القناة سيتم جلاؤها من كراسى الحكم.
ويضيف صلاح سالم أن الصهيونيين وأنصارهم مازالوا فى مختلف بلاد العالم يركزون حملاتهم على اتفاقية الجلاء عن القنال، وقد بدأت حكومة إسرائيل فى اتخاذ خطوات رسمية مباشرة لتخفيف الفزع الذى سيطر على أهلها وحكومتها من الجلاء عن القنال.
وقد أبلغت حكومة إسرائيل الحكومتين الأمريكية والإنجليزية أن الجلاء عن مصر يعتبر ثورة حقيقية فى الشرق الأوسط، كما أنه يهدد إسرائيل تهديدًا استراتيجيًا خطيرًا، وطلبت تحويل التصريح الثلاثى إلى اتفاق ثلاثى يلزم الدول الغربية الثلاث بالدفاع عن إسرائيل إذا نشبت الحرب بينها وبين مصر.
وأشار «سالم» فى نهاية كتابه إلى أن الصحف الموالية لإسرائيل أخذت فى الوقت نفسه تلفت نظر بريطانيا وأمريكا إلى الخطر الحقيقى على إسرائيل الذى ينطوى عليه الجلاء عن مصر. حيث استعرض راديو إسرائيل اتفاقية جلاء القوات البريطانية عن القناة فقال: إن الاتفاقية نصت على انسحاب البريطانيين عن القناة خلال عشرين شهرًا والعودة إليها فى حالة وقوع اعتداء على إحدى الدول العربية أو تركيا، وذكر أن مدة الاتفاقية هى سبع سنوات ولم يفلح البريطانيون فى مدها إلى ١٠ سنوات،
كما أن البريطانيين لم يفلحوا فى محاولتهم فى أن يشترطوا على مصر حق العودة إلى القناة فى حالة وقوع اعتداء على إيران.