محمد صبحي الغنيمي يكتب : « الدكتور ((المسيري)) يتتبع تاريخ الفكر الصهيوني وتقلباته قبل هرتزل»
« الدكتور ((المسيري)) يتتبع تاريخ الفكر الصهيوني وتقلباته قبل هرتزل»
في ظل استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة والفلسطينيين وتوحش آلة القتل الإسرائيلية التي راح ضحيتها الأطفال والنساء والشيوخ لشعب ظل يعانى منذ أكثر من سبعين عاما..
ونحاول هنا أن نبحث عن تاريخ هذا الفكر الصهيونى الذي في سبيل إقامة دولته ارتكب المجازر ضد الفلسطينيين.. وأفضل من ألف كتبا للبحث في تاريخ هذا الفكر هو الدكتور الراحل عبدالوهاب المسيرى الذي ألف كتابا سماه تاريخ الفكر الصهيونى هذا غير موسوعته الشهيرة اليهود واليهودية والصهيونية.
في هذا الكتاب المهم يتناول الدكتور عبدالوهاب المسيرى بالعرض والتحليل تاريخ الفكر الصهيونى والحركة الصهيونية وجذورهما في الحضارة الغربية.
وتعد هذه الدراسة استكمالا وتطويرا للأطروحات العامة التي تناولها المسيرى في دراساته المتعددة عن الظاهرة الصهيونية، وفى مقدمتها موسوعة تاريخ الصهيونية (١٩٩٧) وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيرى جديد (١٩٩٩).يتتبع الكتاب تاريخ الفكرة الصهيونية قبل هرتزل ويلفور، والمراحل التي مرت بها حتى تبلورها في مطلع القرن العشرين ثم يتعرض للجذور الغربية للفكر الصهيونى.وفى بداية كتابه يقول الدكتور المسيرى إن الخطاب التحليلى العربى يعانى من نقائص كثيرة، من أهمها تسرب كثير من المفاهيم والمسلمات والمقولات التحليلية، الإنجيلية والعلمانية، التي يتعامل العالم الغربى من خلالها مع الجماعات اليهودية في العالم، مثل «المنفى» و«الشتات» والشعب اليهودى والقومية اليهودية.
وقد أدى ذلك بدوره إلى تسرب كثير من المفاهيم والمقولات التحليلية الصهيونية، لعل من أهمها مقولة التاريخ اليهودى.
ويضيف: يستند التصور الصهيونى للتاريخ إلى عنصرين أساسيين: الحلولية اليهودية، التي تمزج بين الخالق والشعب اليهودى وتخلع على اليهود القداسة والمطلقية.
وقد ترجمت هذه الحلولية نفسها إلى الرؤية الصهيونية للتاريخ. فتاريخ اليهود هو تاريخ مقدس بالمعنى العلمانى، والشعب اليهودى من ثم جماعة قومية ومقدسة.وتنطوى هذه الرؤية للتاريخ على رفض عميق له تتبدى بشكل واضح في المصطلح الصهيونى.
فعادة ما يستخدم الصهاينة كلمة «تاريخ» لا للإشارة إلى التاريخ الحى المتعين، وإنما إلى العهد القديم، أو إلى التراث الدينى اليهودى (المكتوب منه أو الشفوى)، أو إلى التاريخ المقدس. ولذا، تصبح الحدود التاريخية هي الحدود المقدسة المنصوص عليها في العهد القديم من نهر مصر إلى الفرات، وهى حدود لم يشغلها العبرانيون في أية لحظة من تاريخهم، ولا حتى أيام داود أو سليمان.
والحقوق التاريخية هي أيضا الحقوق المقدمة التي وردت في العهد القديم، والتى تؤكد أنهم شعب مقدس مختار له حقوق تستمد شرعيتها من العهد الإلهى الذي قطعه الإله على نفسه لإبراهيم، وهو عهد يعبر عن الحلول الإلهى فيهم.
وتصبح فلسطين من ثم أرضًا (مقدمة) بلا شعب (مقدس).التجربة التاريخية ليهود شرق أوربا كجماعة وظيفية .
فقد أوهم هذا الوضع المؤرخين الصهاينة بأن لليهود تاريخهم اليهودى المستقل عن التاريخ العام الذي يحيط بهم، وأنساهم أن استقلالية اليهود نفسها هي إحدى سمات المجتمع الإقطاعى في كل من روسيا وبولندا، وأن الجيتو اليهودى المستقل هو في نهاية الأمر نتاج البناء التاريخى الأساسى الروسى أو البولندى، إذ إن الذي يحكم ظهور وسقوط الجيئر أو الأشكال الإدارية اليهودية المستقلة الأخرى ليس الإرادة اليهودية المستقلة، وإنما حركة التاريخ الروسى أو البولندى ومجموعة من العناصر المركبة التي يشكل أعضاء الجماعة اليهودية جزءا منها وحسب.
وينقسم الكتاب إلى أربعة أبواب، يحمل الباب الأول منها عنوان «مقدمة الدراسة تاريخ الفكر الصهيونى» ويتناول الفصل الأول منها المعنون إشكالية التعرى بالصهيونية، التعريفات المتداولة للصهيونية، التي ترفضها، وتتبع بتعريفنا الذي تذهب إلى أنه أكثر تفسيرية.
أما الفصل الثانى موجز تاريخ الصهيونية فيتناول عرضا سريعًا موجزًا لتاريخ الصهيونية.
ثم يبدأ بعد ذلك التاريخ التفصيلى للصهيونية.ويحمل الباب الثانى عنوان الجذور الغربية للفكر الصهيونى، وهو يسعى إلى تتبع ملامح الخلفية الفكرية والثقافية التي أنبتت الفكر الصهيونى، فيتناول الفصل الأول مفاهيم العلمانية الشاملة والاستعمار والدولة المطلقة من أجل تحديد السباق الاقتصادى والحضارى الغربى للظاهرة الصهيونية، ويتناول الفصل الثانى الصهيونية الرومانسية والنيتشوية أوجه التشابه بين هذه التيارات الفكرية. ويعرض الفصل الثالث للعلاقة بين الصهيونية والفاشية والنازية، مبينا التماثل البنيوى بين الصهيونية والنازية وأشكال التعاون بين الصهاينة والنازيين. ويتناول الفصل الرابع الفكر الاسترجاعى نماذج للإسلام والعقائد الألفية والاسترجاعية. وفى مسعى التأكيد أن تبنى الفكرة الصهيونية ليس مقصورًا على اليهود، ويتناول الفصل الخامس لصهيونية غير اليهود ذات الديباجات الدينية والعلمانية، إسهام مفكرين وساسة من غير اليهود في تبلور الفكرة الصهيونية ويلقى الفصل السادس الصهيونية وحملات الفرنجة الضوء على أوجه التشابه بين المشروع الاستعمارى للفرنجة، فيما عرف باسم الحروب الصليبية، والمشروع الصهيونى، أما الفصل السابع الصهيونية وبعض الجماعات شبه المسيحية فيبين الأثر الصهيونى في فكر جماعات مثل «المورمون» و«شهود يهوه».
ويعنون الدكتور المسيرى الباب الثالث بعنوان التيارات الصهيونية المختلفة، وهو أكبر أبواب الكتاب حجما، إذ ينقسم إلى اثنى عشر فصلًا يتناول كل منها السمات الأساسية لأبرز التيارات الصهيونية ويبدأ الفصل الأول المؤتمرات الصهيونية بعرض لتاريخ هذه المؤتمرات وأهم القضايا التي تناولتها منذ المؤتمر الأول عام ١٨٩٧ وحتى المؤتمر الخامس والثلاثين عام ٢٠٠٦ وتتناول الفصول التالية تيارات الصهيونية التوطينية، التي سعت إلى توطين بعض اليهود في فلسطين دون الاعتماد على قوة إمبريالية والصهيونية التسللية، التي سعى أنصارها إلى الاستيطان في فلسطين من خلال عمليات تسلل تعتمد بالأساس على الجهود الذاتية والأنشطة الخيرية: والصهيونية الإقليمية التي كان ممثلوها يرون إمكان بناء وطن قومى لليهود في مكان آخر غير فلسطين، ومن ثم طرح في هذا الإطار مشروع شرق إفريقيا، وتستمر فصول الباب في عرض التيارات المختلفة وصولًا إلى «تيودور هرتزل»، الذي يتمثل إسهامه الأساسى في إدراك استحالة تحقيق المشروع الصهيونى دون الاعتماد على قوة استعمارية عظمى ترعاه وترى فيه أداة يمكن توظيفها لخدمة مصالحها الاستعمارية، وتلقى فصول أخرى الضوء على تيارات مثل: «الصهيونية الدبلوماسية الاستعمارية»، و«الصهيونية الإحلالية»، و«الصهيونية الإثنية الدينية»، و«الصهيونية الإثنية العلمانية». ويتناول الفصل الأخير في هذا الباب بعض الاختلافات بين التيارات الصهيونية المختلفة، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من الدولة الصهيونية.
أما الباب الرابع، وهو بعنوان الصهيونية في الوقت الحاضر فيتناول الواقع الحالى للحركة الصهيونية في عصر ما بعد الحداثة والنظام العالمى الجديد، وذلك للتعرف على طبيعة الأزمة البنيوية والوجودية التي تواجهها الصهيونية.
ويختتم هذا الكتاب بملحق يضم تعريفًا لأهم المصطلحات المستخدمة في سياق صفحاته.