محمد أمين المصري يكتب : شيوخ الدراما والإعلام ..”أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم”
يحظى الشيوخ بدور بارز في معظم الأحيان في الأعمال الدرامية والقصص، ويعتبر الشيخ شخصية مميزة في العمل الدرامي، ويتم تصويره بشكل يبرز حكمة عالم الدين وخبرة العمر وأحيانا النضال والصمود. ويتميز شكل الشيوخ في هذه الأعمال بمجموعة من العناصر التي تسلط الضوء على قيمهم ودورهم في المجتمع، وغالبا ما يتم تصوير الشيوخ في الدراما والقصة المصرية بمظهر يعكس العمر والحكمة، فيبرز الشعر الأبيض، وتتصلب الوجوه بالتجاعيد العميقة، ما يعزز صورتهم كشخصيات حكيمة ومحترمة. أما عن الملابس وزيهم الأزهري فهو أمر معلوم للجميع، ويكاد يكون علامة مسجلة في كل الأعمال، ويتم اختيار الملابس والزي الشخصي للشيوخ بعناية للتعبير عن ثقافتهم ومكانتهم الاجتماعية، والبديل للزي الأزهري الثياب التقليدية مثل الجلابيب والعباءات، إمعانا في إظهار الفخامة والأناقة والوقار والحكمة في آن.
ويتحدث الشيوخ في الأعمال الدرامية بطريقة هادئة ومتأنية، مع استخدام آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأمثال وحكم شعبية لإيصال رسائلهم ونصائحهم، للجمهور المتلقي الذي يستمع لهم بإنصات، ويظهرون في شكل الصابرين والصامدين في مواجهة التحديات والصعاب.
وتمنح الدراما للشيوخ مساحة في القصة أو الحبكة يلعب من خلالها عادة دورا مهما ويتم تصويرهم على أنهم حكماء القرية أو الأعيان، وغالبا ما يكون لديهم الكثير من النفوذ والتأثير على الأحداث والشخصيات الأخرى، وتراهم يقدمون النصح والإرشاد، ويشكلون مرجعية للجميع.
من المهم أن نلاحظ أن هذه العناصر قد تختلف من عمل درامي إلى آخر ومن قصة إلى قصة، وقد يكون هناك تنوع وتعدد في تصوير الشيوخ في الدراما والقصة. ومع ذلك، يمكننا أن نرى أن هذه العناصر تعكس قيم المجتمع المصرى وتسلط الضوء على الاحترام والتقدير للشيوخ وحكمتهم ومدى توقير المصريين لهم. ولذا تصورهم الدراما عادة على أنهم أناس راشدين ، عاقلين، باعتبارهم مرجعية دينية لا ينطقون عن الهوى.
ونرى في الغالب لجوء شخوص الرواية والدراما إلى الشيوخ لاستشارتهم في الأمور الصعبة والقرارات المهمة، ولم لا؟.. فرجل الدين رمز الحكمة والإرشاد والاحترام والتقدير ذات مكانة عالية، ناهيك عن شخصية الصمود والصبر في مواجهة التحديات وقوة العزيمة والقدرة على التكيف مع المشاكل والمواقف الصعبة، وغالبا ما ينصح الجمهور بأهمية الصمود والصبر في الحياة وأن المولى عز وجل سيعوضه يوما ما على ابتلاءاته والأوجاع. هذا بجانب شخصية الشيخ التي تتمتع بالرحمة والإنسانية وتقديم المساعدات والدعم للشخصيات الأخرى، ويكون معبرا عن القيم الأخلاقية مثل العطاء والتسامح والرحمة، ويرمز الشيخ في هذه الحالة إلى الجانب الأكثر نضجا وإنسانية في المجتمع.
لا نتحدث بالضرورة عن أعمال درامية مصرية، ولكن على سبيل المثال وليس الحصر، ثمة عمل درامي سوري يجسد الشيخ بشكل واقعي مثل مسلسل “باب الحارة” (سلسلة تلفزيونية سورية)، يصور المسلسل الحياة في حارة دمشقية خلال فترة الاحتلال الفرنسي في سوريا، ويجسد صورة الشيخ بوصفه شخصية حكيمة وموثوق بها في الحارة، حيث يقدم النصائح والتوجيهات للشباب والمجتمع بشكل واقعي..شيخ باب. الحارة يتناقض تماما مع شخصية (مؤنس) الإنسان الملتزم، شديد التدين في تصرفاته وكلامه في مسلسل “لعبة نيوتن” (إذيع في الموسم الرمضاني قبل السابق)، ورغم هذه الصورة النمطية للذي يضع الساعة في يده اليمنى نجده شخصية غير سوية ويتلاعب بالدين لمصالحه فقط ويتزوج امرأة متزوجة وكانت حاملا من رجل آخر، ولكنه لم يتورع عن مخالفة الدين وبعيد عن كل القيم الدينية والاخلاقية والعدالة والتسامح، ومؤنس بخلاف هذا لا يتورع عن الكذب، ويكفي أنه ادعى أبوته لابن غيره، ثم نسبه لنفسه، فكانت شخصية هذا الإنسان الملتزم فاسدة وتلاعب بالدين وبكل من حوله.
ونتوقف قليلا عند مسلسل “المال والبنون” ، وتحديدا شخصية الشيخ طه الذي يستغل الدين لتحقيق مكاسب مالية والتلاعب بأفعال الناس، وظهرت صورة مناقضة للصورة النمطية لشيوخ الدراما، فالشيخ طه يسيء استخدام الدين، وظهر بشخصية المنافق، يظهر خلاف ما يضمر في داخله، ويخفي الشرك في دواخله، ويظهر الإيمان أمام الناس وسكان الحي، ولكن حقيقته أنه إنسان منافق رغم علمه بأن النفاق صفة مقيتة ذمها القرآن الكريم، وتوعد المنافقين في مواضع عديدة، ومنها ما ورد في سورة التوبة، إذ قال تعالى :((الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) ، وأيات النفاق تبيَن لنا بالقرآن الكريم مدى جرم المنافق ونار جهنم التي تنتظره في الآخرة.
هؤلاء الشيوخ أو رجال الدين أو المدعين الفاسدين والتي تعج بهم الأعمال الدرامية وبعض القصص وغيرها في واقع الحياة – سبب من أسباب تراجع قيم المجتمع، وتراكم المفاسد ومضاعفتها، فهم يعتمدون للأسف مبدأ ميكاڨيلي غير الأخلاقي”الغاية تبرر الوسيلة”، وما أكثر هذه النماذج المتسلقة الانتفاعية، شديدة الوصولية، ومثال على ذلك شخصية (الشيخ طه) التي جسدها الفنان الراحل محمد الشويحي، وللأسف فقد أجاد في تجسيد دوره “المطبلاتي” للأغنياء والأثرياء فقط، ويحقق مصالحه الخاصة، بعيدا عن المبادئ والثبات والحلال والحرام، فضميره في سبات، بل ربما ميت تماما، ما دامت المكاسب موجودة.
وهذا الشيخ حين يتأكد من أن تاجر الذهب )سلامة فراويلة( قد أفلس وأفل نجمه، تحول بزفته وتطبيله إلى مدح )السحت( والثناء عليه والدعاء له. وكما ذكرنا، فالضمير ميت، فلا يسأل الشيخ طه من أين أتى السحت بهذه الأموال؟ وكيف أصبح ثريا بين ليلة وضحاها؟ ، فمصدر الأموال لا يهمه طالما سيناله من الحب جانب، وتتحول زفة الشيخ طه بسرعة من “ادعوا لعمي الحاج سلامة بطولة العمر.. الله يخليه الله يخليه” ، إلى ادعوا لعمي السحت بطولة العمر الله يخليه الله يخليه”.
للأسف، لا يفكر هؤلاء الشيوخ، سواء في الدراما أو غيرها، في الآخرة، فهم لا يشبعون من نعيم الدنيا، ويغترفون منها غرفا، ولا يفكرون بلحظة النهاية وقدوم الموت الحتمي وقد مُلئت جيوبهم بالأموال، و تصدروا “الترند”، وللأسف لا يدرك هؤلاء أنهم سبب دمار المجتمع، وهم كالسوس ينخر ويدمر بسرعة فائقة.
وأعتقد أن أهم شخصية لشيخ كانت شخصية شيخ البلد في فيلم “الزوجة الثانية”، وهو الشريط السينمائي الذي أبدع في تجسيد الظلم وطمع الأثرياء و تشبثهم بالدنيا وخلط الدين بالسياسة، كما تضمن الحوار في ثناياه معاني كثيرة ورسائل اجتماعية نتيجة طمع العمدة وزوجته خيالهم المريض الذي صور لهما أنهما يستطيعان فعل أي شيء طالما كان معهما شيخ البلد، فهو شخص طيًع، مطيع لهما، ولم لا؟! فهم الأثرياء، وما عندهما سيصب في جيبه أيضا.
القصة لعائلة صغيرة جدا، العمدة عتمان – صلاح منصور – وزوجته حفيظة -سناء جميل، والعمدة يبحث عن زوجة تنجب له طفلا يرثه بدلا من زوجته حفيظة العاقر، بشرط أن يسبق لها الانجاب، ويقع الاختيار على مخدومة العمدة الفلاحة الفقيرة فاطمة ـ سعاد حسنى ـ زوجة المزارع الأجير أبو العلا ـ شكرى سرحان ـ ويًجبر العمدة أبو العلا – بضغط من الشيخ حسن شيخ البلد على تطليقها ويتزوجها لكنها لم تمكنه منها، وظلت على علاقة بزوجها ويصاب العمدة بالشلل حين علم أنها حامل من زوجها فيموت ولكنها تقول في العلن أن الحمل من زوجها الذي لم يقربها قط.
بدون الدخول في تفاصيل القصة، فهناك الشيخ حسن – حسن البارودي – شيخ البلد الذي يتنازل عن كل القيم مقابل مصلحته والحصول على مال العمدة نظير كل خدمة يقدمها لها رغم عدم شرعيتها دينيا، وتظل شخصية “الشيخ حسن” التي أداها باقتدار البارودي في “الزوجة الثانية” دليلا حيا وملموسا على خطورة إقحام الدين في السياسة، فحينها يصبح كل منهما طريقا يصل من خلاله إلى ما يبتغي، متنازلا عن كل القيم والمبادئ، فيوافق على طلب العمدة بعقد قرانه على امرأة تم تطليقها رغم عدم رغبة الزوج في الطلاق، بالاضافة إلى أن الطلاق تم منذ دقائق يعني بلا عدة شرعية، حتى عندما يتذكر الشيخ حسن الشرع ويطلب وجوب انقضاء العدة للفلاحة فاطمة زوجة أبو العلا، فما كان من العمدة إلا أن لكزه قائلا له: “البلد بلدنا والدفاتر دفاترنا”، اكتب يا شيخ حسن، فكتب الشيخ حسن وهو يردد مقولته الشهيرة في الفيلم:”وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم”.
فكل ما تم في “الزوجة الثانية” من حيل وألاعيب ضد الدين والشرع، كان نتيجة تخلي الشيخ حسن عن القيام بواجبه الفعلي وتطبيق شرع الله، ولكنه تنازل عن كل هذا مقابل فتات وبعض القراريط وليس حتى أفدنة، فباع دينه بقروش معدودات.
تراخي الشيخ حسن عن أداء واجبه الديني والشرعي والمسئول عنه أمام الله، فهو لم يقف مع الحق وكان سبب أزمة فاطمة وأبو العلا ( الفلاحة التفاحة اللي في الغيط وفي بيوت الناس قداحة، والفلاح اللى اسمه أبو العلا بيزرع أرض الغير ولا ينوبه من الخير حبة ولا خردلة) .. كما أن الشيخ حسن، ناصر الباطل وتبرأ من الحق ووقف مع العمدة عتمان وزوجته الست حفيظة (على خزاينها حفيظة، وعتمان العمدة البائس اللي حط ثروته على ثروتها وراقد والاتنين نازلين سف في سف بس بيضربوا كف في كف علشان ما معاهمش العيل اللى في الأموال بيكي).ولو كان مصطلح “الترند” موجود وقت بث الفيلم، لكانت جملة “أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم” ترند هذا العصر.
للأسف..الشيخ حسن مجرد حالة وأمامنا الكثير منه في وقتنا الراهن، الشيخ حسن ظهر عدة دقائق في عمل درامي لا نشاهده كثيرا، ولكن غيره يخرج على المشاهدين كل يوم في برامج تلفزيونية بمغالطات دينية ومواعظ ليست من الدين طالما طلبها منه ما يأمره، ناهيك عن حملات النفاق والتودد للأثرياء وغيرهم، وتقديري الشخصي أنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وجعلهم يتمادون في غيهم، فأصبحوا لا يدركون ما ينتظرهم من مصير، وما سيلاقونه من جحيم وشر سعير النار، قادر كريم.
للقصة بقية…