مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : شياطين نيتانياهو

0:00

تتسم المواقف المتبادلة بين إسرائيل والولايات المتحدة بالغرابة الشديدة، حتى من قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وجه الغرابة في التناقض الحاصل بين تصريحات المسئولين من كلا الجانبين، فتارة يعتقد المراقب أن العلاقات على أفضل ما تكون ثم سرعان من ينقلب الحال حتى تتداخل الخيوط في بعضها وتتلبد الأجواء. ما سبق لا ينفي أن العلاقات بين واشنطن وتل أبيب هي علاقات أبدية، استراتيجيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا، فكل ما يحدث في السطح أحيانا لا ينفي تشبيه هذه العلاقات بكونها “صراعات داخل الجسد الواحد” وسرعان ما تعود الأمور إلى نصابها.
ولكن مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتباين المواقف بين واشنطن التي تطالب بعدم التعرض للمدنيين وتل أبيب التي تتمادى في قتل المدنيين والأطفال والمسنين حتى سكان مخيمات الأونروا، فوجئ البيت الأبيض فمقطع فيديو نشره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو ينتقد فيه قرار حليفته الولايات المتحدة تعليق إرسال إرسال أسلحة ومقاتلات إلى إسرائيل في وقت تخوض حربا قوية ضد “حماس” في قطاع غزة. لم تسكت واشنطن على إعلان نيتانياهو فردت على الفور باستغراب على لسان كارين جان بيار المتحدثة باسم البيت الأبيض في تصريحاتها للصحفيين:”اسمحوا لي أن أبدأ بالقول إننا بصدق لا نعرف ما الذي يتحدث عنه. وأضافت أنه باستثناء “شحنة معينة من الذخائر” ينظر فيها المسئولون الأمريكيون من كثب، “ليس هناك أي وقف آخر” لشحنات أسلحة.
أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن – ربما نصفه بأنه وزير خارجية إسرائيل – فقال إن بلاده تواصل “مراجعة شحنة واحدة في ما يتعلق بقنابل زنة 2000 رطل بسبب مخاوفنا بشأن استخدامها في منطقة مكتظة بالسكان مثل رفح”.بلينكن القريب جدا من تل أبيب ونيتانياهو لم يفته أن يعلن “الحكومة الأمريكية تعمل ليلا ونهارا لمعالجة التأخير في وصول الأسلحة”.
يبدو أن بلينكن يحاول التخفيف من حدة الأزمة الأخيرة بين الدولتين على خلفية وفاء واشنطن بصفقة الأسلحة التي تعهدت بإرسالها إلى إسرائيل لانقاذها من خسائرها العسكرية في حرب غزة، المؤكد أن الإدارة الأمريكية والكونجرس قررا تأجيل صفقة بيع 50 طائرة حربية بقيمة 18 مليار دولار، التي تعد واحدة من كبرى صفقات الأسلحة مع إسرائيل في السنوات الأخيرة. ووفقا لتقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، فإن وزارة الخارجية الأمريكية لم ترسل إخطار رسميا للكونجرس بعد رفع الحظر على بيع المقاتلات، خاصة وأن بعض النواب الديمقراطيين قد أبدوا اعتراضهم على الصفقة ثم وافقوا لاحقا عليها نتيجة ما صرحوا به وهو خشيتهم من استخدام الصفقة في قتل مدنيين في الحرب.
وعودة الى فيديو نيتانياهو، فقد تضمن توبيخا صريحا للإدارة الأمريكية، بسبب ما وصفه بعرقلة الأسلحة والذخيرة، وقال في المقطع: “من غير المعقول أن تقوم الإدارة الأمريكية في الأشهر القليلة الماضية بحجب الأسلحة والذخائر عن إسرائيل”. لم يشفع لواشنطن إرسالها إلى إسرائيل عشرات الآلاف من القنابل وذخائر الدبابات والمدفعية والأسلحة الدقيقة ومعدات الدفاع الجوي منذ بدء الحرب، وغالبا ما كانت تعتمد على صفقات أسلحة بقيمة 23 مليار دولار جرت الموافقة عليها سابقا من قبل الكونجرس. ولكن مجرد تأخير إرسال الصفقة بسبب قيود إدارية وليست عسكرية دفعت نيتانياهو إلى توبيخ واشنطن واتهامها بإرجاء منح بلاده أسلحة مهمة في وقت تواجه فيه وضعا حرجا في غزة، ثم زاد الطين بله بسبب امتداد الحرب إلى جبهة جنوب لبنان.

هذه الصفقة تعد واحدة من كبرى صفقات الأسلحة مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، وتأتي في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن دعوات من قادة في حزبه لحجب الأسلحة الأمريكية، للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي لقبول إنهاء حرب غزة، وهو ما فشلت فيه الإدارة الأمريكية حتى يومنا الراهن، فتل أبيب تواصل الإلحاح على سرعة استلام المقاتلات لتعويض خسائرها العسكرية في غزة.
وبعيدا عن أجواء الأزمة بين تل أبيب وواشنطن، سواء مصطنعة أم حقيقية، يبدو حقيقة استياء واشنطن من تصرفات نيتانياهو الناكر للجميل لكل ما هو أمريكي، وهو ما كشفه توماس فريدمان الكاتب الأمريكي بصحيفة “نيويورك تايمز” حيث وجه انتقادات شديدة ولاذعة للحكومة الإسرائيلية ورئيسها. وقال: “إسرائيل التي عرفناها قد ولت، وإسرائيل اليوم في خطر وجودي”. والخطير في كلام فريدمان – اليهودي – هو تأكيده أن تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الحالية مجرد وصفة لجر الولايات المتحدة إلى حرب في الشرق الأوسط لمساعدة إسرائيل. وإذا كان الكل يعلم أن إدارة بايدن حذرت نيتانياهو من فتح جبهة جديدة أمام حزب الله في لبنان، فتحذير توماس كان أقوى من التحذير الأمريكي الرسمي “إسرائيل تواجه قوة إقليمية وهي إيران التي تمكنت من محاصرة إسرائيل من خلال حلفائها ووكلائها وفي الوقت الحالي، ليس لدى إسرائيل إجابة عسكرية أو سياسية، والأسوأ من ذلك أنها تواجه احتمال نشوب حرب على ثلاث جبهات غزة ولبنان والضفة الغربية ولكن مع تطور جديد وخطير، فحزب الله في لبنان على النقيض من حماس، مسلح بصواريخ دقيقة قادرة على تدمير مساحات واسعة من البنية التحتية الإسرائيلية من مطاراتها إلى موانئها البحرية إلى جامعاتها إلى قواعدها العسكرية إلى محطات توليد الكهرباء”.
الجميع يدرك الآن أن إسرائيل التي يقودها نيتانياهو ستواجه مشكلات جمة وصعبة في وقت واحد، فرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يحارب من أجل البقاء في السلطة لتجنب احتمال إرساله إلى السجن بتهم الفساد، باع نفسه للشيطان ولأعضاء حكومة متطرفين لا يهمهم سوى الاستمرار في الحكم على حساب مواطنيها الذين بح صوتهم لإنهاء الحرب والتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار وبحث أزمة الرهائن والأسرى على مائدة المفاوضات وليس تحت نيران الحرب والقصف والدمار،
نيتانياهو باع نفسه للشيطان وسلم أمره للمتطرفين اليهود اليمينيين الذين يصرون على أن إسرائيل يجب أن تقاتل في غزة حتى تقتل كل آخر عنصر في حماس..في حين فشل الجيش باعتراف قادته بلوغ هدف القضاء على حماس وقادتها، فحماس بقيت في حين انهارت حكومة الحرب التى شكلها نيتانياهو عقب الحرب، بسبب افتقاره إلى خطة لإنهاء الحرب والانسحاب الآمن من غزة، في حين يواصل المتطرفون في حكومته ابتزازه ويتطلعون إلى استمرار ائتلافه الحكومي حفاظا على مصالحهم، ولا تزال مشكلة نيتانياهو هي الاعتماد على الشياطين المقربين منه والإنصات لهم، بدلا من الاستماع إلى العقلاء.

زر الذهاب إلى الأعلى