مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب : مسألة الزرافة

0:00

تبادل الهدايا بين حكام الدول تقليد معروف منذ القدم ، وإن اختلف الغرض من تقديمها ، قد يكون لبناء علاقات ودية أو لإثبات النوايا الطيبة أو لتفادى شرور الدول الكبرى أو المجاورة . بالطبع تختلف أنواع الهدايا وإن كان منها معبرا عن طبيعة البلد أو أهم ما تتميز به ، ومن أطرف الهدايا كانت “الزرافة” التى أهدتها مصر إلى فرنسا .
“مسألة الزرافة ” كما أطلق عليها وقتها شغلت إهتمام الفرنسيين حكومة وشعبا ، وحظيت باهتمام بالغ لدرجة أعدت لها مراسم إستقبال رائعة ، وكانت البداية حين خطرت على بال محمد على باشا فكرة إهداء ملك فرنسا شارل العاشر هدية مميزة ، كنوع من الشكر والتقدير لما تقدمة فرنسا من مساعدات علمية وثقافية للمصريين ، فكان إختياره للزرافة بالتحديد لتكون هى الأولى من نوعها فى فرنسا خاصة وأن شارل العاشر كان مهتما جدا بالحيوانات النادرة الموجودة بحديقة النباتات .
فى خريف 1826م أمر الباشا بصيد زرافة من السودان ، وبعد وقت قصير استطاع الجنود اصطياد زرافتين فى عمر الشهرين فأرسلاهما إلى القاهرة ، وعندما علم بوصولهما القنصل الفرنسى طلب يإلحاح الحصول عليهما ، وفى نفس الوقت تقدم القنصل الإنجليزى بنفس الطلب فقرر الباشا إرسال زرافة إلى فرنسا والأخرى إلى إنجلترا .
حظيت الزرافة المقرر إرسالها إلى فرنسا بإهتمام بالغ من علماء المتحف الفرنسى وأبدوا قلقهم بشأن طريقة نقل الزرافة ، وتوالت المراسلات لإتخاذ الإجراءات اللازمة ، ولأن الزرافة لم تفطم بعد فكان عمرها شهران فقط ، تم تخصيص ثلاث بقرات لتوفير اللبن اللازم لها وقدر من 20 إلى 25 لتر يوميا وتخصيص ثلاثة من الخدم السودانيين لمرافقتها فى رحلتها إلى فرنسا .
فى أكتوبر من نفس العام سافرت ” الزرافة ومرافقيها ” هكذا أطلق على الرحلة ، على متن سفينة سردينية إلى مرسيليا فى رحلة استغرقت 17 يوما .
ما يثير الدهشة إهتمام الصحف الفرنسية بهذا الحدث وهى تتبع أخبار “الجميلة المصرية ” ! وتخوفا من برودة الشتاء تقرر أن تستقر الزرافة فى مرسيليا حتى يتحسن الطقس وكان القرار يمثل عبئا على حاكم مرسيليا لرغبة جميع سكان المدينة رؤية الزرافة ! فنظم لذلك حفلات استقبال لرؤيتها ، وخوفا من أن تصاب الزرافة بالملل كانوا يخرجونها للتنزه وسط إعجاب شديد من السكان فهذه أول مرة يروا فيها الزرافة . طوال مدة إقامتها فى مرسيليا كان الملك شارل يتابع صحتها من خلال نشرات دورية عرفت ب “مسألة الزرافة ” .
فى نهايات الربيع بدأ الإعداد لرحلتها إلى حديقة النباتات والتى استغرقت 52 يوما ، وخوفا عليها من البرد صنع لها غطاء واق من المطر مصنوع من النسيج المصمغ بأزرار من الأمام ونقشت على جانب منه شارات محمد على باشا وعلى الجانب الآخر شارات الملك شارل العاشر .
فى احتفال رائع سارت الزرافة ورفاقها البقرات الثلاث والسودانيون تتبعهم عربة تجرها الخيول إلى أن وصلت إلى حديقة النباتات فى 30 يونيو 1827م ، اخذت الزرافة قسطا من الراحة إلى أن وصلت إلى سان كلود لعرضها على الملك الذى أطعمها ثلاث وردات بيده.
أراد الملك أن يرى هذا الحيوان الفريد “الزرافة” وهو يمشى ويجرى بحضور البلاط الملكى وقد ابدى الجميع إعجابهم بروعة وجمال الزرافة .
600 ألف باريسى زاروا الزرافة فى حديقة النباتات فى عام 1827م فقط ! حظيت الزرافة بمكانة عظيمة طوال حياتها فى حديقة النباتات برفقة حارسها “عاطر” الذى كان يعتنى بها إلى أن نفقت عام 1845م .

زر الذهاب إلى الأعلى