مايسة السلكاوى تكتب : بدلة التشريفة
مصر من أقدم الدول فى العصر الحديث التى عرفت البروتوكول وفن “الإتيكيت” فى القصور الملكية مع بدايات القرن التاسع عشر فى عهد محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة . فكان يعرف بالديوان العالى لوجود مقر الحكم بالقلعة حيث يسكن محمد على ، ثم أصبح الديوان الخديوى فى عهد الخديوى إسماعيل ، ثم الديوان الملكى وأخيرا الديوان الرئاسى أو مؤسسة الرئاسة بعد 23 يوليو 1952م .
ويعنى البروتوكول أو فن الإتيكيت باسلوب إستقبال الضيوف من ملوك ورؤساء ووزراء وسفراء أو شخصيات أخرى فلكل منها المراسم المحددة ، ويمكن القول أن قواعد البروتوكول للقصور الملكية وضعت وترسخت خلال حكم الخديو إسماعيل .
والتشريفة نوع من البروتوكول يقضى بأن يرتدى الرجال زيا خاصا فى المقابلات الرسمية والإحتفالات الكبرى والحفلات الرسمية خاصة حفل إفتتاح البرلمان وأثناء تشييع الجنازات الرسمية . وترجع سمات هذا التقليد فى مصر إلى عصر محمد على باشا وإبراهيم باشا قائد جيوشه ، حين اقتضى الأمر وجود زى للمناسبات الوطنية بعد إكتمال مقومات الدولة الحديثة ، وأطلق على هذا الزى “بدلة التشريفة “. وكان يرتديها أصحاب الرتب الرفيعة من رجال الدولة المدنيين بدءا من رئيس الوزراء والوزراء ورجال السلك الدبلوماسى وحملة الألقاب من باشا إلى بك من الدرجة الأولى والثانية .
وكانت بدلة التشريفة التى كان يرتديها والى مصر محمد على باشا باللون الكحلى ومطرزة بخيوط الذهب وعليها وشاح أحمرو تزينها النياشين ، وكان الوالى يرتديها فى المناسبات الرسمية حاملا سيفه ، وقد ارتداها محمد على باشا وهو فى طريقه للعلاج فى أوروبا .
أما إبراهيم باشا قائد الجيوش المصرية فكان يرتدى بدلة التشريفة من قطعتين الجزء العلوى باللون الأحمر المطرز بخيوط الذهب تعلوه النياشين الحاصل عليها فى معاركه الحربية ، والجزء السفلى سروال أسود اللون مع حزام عريض معلق به سيف .
إمتد هذا الإهتمام إلى الخديو إسماعيل الذى كان حريصا على الإرتقاء ببلاده فى شتى المجالات وحرصا على مظهرة كحاكم مصر فى جميع الإحتفالات والمناسبات .
وتعددت بعد ذلك ملابس التشريفة لأسرة محمد على ، فكان الملك فاروق الأكثر إهتماما بهذا الأمر ، فكانت له أكثر من بدلة لمختلف المناسبات ، تمثل اسلحة الجيش الرئيسية فكان له زى البحرية والخيالة ، وزى للحفلات الرسمية يتكون من جاكيت أحمر باساور وكول أسود تعلوها الرتب العسكرية باللون الذهبى وبنطلون أسود ذى شريط أحمر .
واتبع الرئيس السادات نفس الأسلوب فكان يرتدى الزى المناسب لكل سلاح من أسلحة الجيش فى زياراته لأفرع الجيش المختلفة وأخرى للمناسبات الرسمية كما شاهدنا فى الإحتفال بعودة إفتتاح قناة السويس 1975م وفى العرض العسكرى الأخير له .
وبدلة التشريفة تأخذ الصفة العسكرية ، فلكل سلاح بدلته الخاصة به يرتديها الضباط والجنود، وخلال تلك الفترة ظهرت بدلة التشريفة الخاصة بالحرس الملكى ، وهى ملابس ليست مقصورة على مصر ، ولكنها شائعة فى جميع الدول ولكل منها زيها الخاص بها ، يظهر فى الإستقبالات والإحتفالات الرسمية ، ويرجع الإهتمام بمظهر الحرس الملكى لأن ضباطه كانوا من النبلاء و الأشراف مما يجعلهم محط الأنظار ومثلا يحتذى من جمال المظهر ودقة النظام وحسن السلوك والأخلاق .
أما بالنسبة لزى الحرس الجمهورى فقد تغير منذ ثورة يوليو إلى الآن ثلاث مرات من اللون الكحلى والأحمر إلى الأخضر الغامق ثم اللون الأزرق وأصبح أكثر بساطة لكنه يحمل نفس المعانى .
وفى إطار فن الإتيكيت والبروتوكول أدخل الخديو إسماعيل ” الباللو ” وهى الحفالات الراقصة التى ادخلت على القصور الخديوية أيامه ، كمثيلتها فى القصور الأوروبية ، مما احدث تغييرا فى طبيعة مهام رجال البلاط ومسمياته ، فقد كلف رجال التشريفات باستقبال المدعوات فى الحفلات الرسمية بأن يقدموا أيديهم ليتوكؤا عليها حتى يصلن إلى صاحب الدعوة ثم ينحنون ويرجعون لإستقبال مدعوات أخريات ، وكانت هذه الحفلات تنشر فى الجريدة الرسمية ” الوقائع المصرية ” .
كان لهذا التطور أثره فى اشتراطات المواصفات المطلوبة لرجال البلاط فلم تعد تقتصر فقط على المستوى الثقافى وعدد اللغات الأجنبية بل أضيفت الوسامة وحسن المظهر .