الكتاب توثيق لجوانب مهمة ومؤثرة ليست فقط في حياه جمال أسعد بل في حياه الوطن، فقد اختار جمال أسعد بعناية مواقف فاصلة في حياة الوطن وتوثيق المواقف بذكر التواريخ والمقالات التي نشرت والشخصيات التي عاصرت هذا الحدث وشهود العيان والبرامج التلفزيونية التي شارك فيها….. إلخ
تم تضفير كتاب أيام جمال أسعد بحرفية شديدة، ما بين الموقف الجادة والحازمة من ناحية والطرافة وخفة الظل المصرية الخالصة من ناحية أخرى فالصدق سمة أساسية في السيرة الذاتية، الكتابة صورة من ذاته فهو الإنسان المصري الأصيل الجاد والحازم في مواقف تتطلب ذلك وفي نفس الوقت ابن نكتة وخفيف الظل.
كتب جمال أسعد هذا النوع من الأدب بعد كتابة العديد من الكتب السياسية والمقالات لمدة أكثر من ٤٠ عاما، أما هذا الكتاب له تميز خاص فهو فن سرد أو قل حكي تلقائي، وهو حكاء بارع بالفطرة، ما بين سرد لأجزاء من حياة جمال أسعد، وعرض لبعض يومياته، واعترافات شخصية، وأدب رحلات، وتصوير المجتمع من أسفل، والمطبخ السياسي، والصراعات الطائفية الدينية، كما أن دوافع وهواجس نبيلة تحرك الكاتب في المقام الأول إلا وهي المواطنة وقبول الآخر، فقدم جمال أسعد على كتابة سيرته الذاتية لأن لديه بالتأكيد دوافعه الخاصة، سواء جمالية أو نفسية، أو حتى الرغبة في التعبير عما يعتمل داخله ولا يجد شكلًا أدبيًا ملائمًا له سوى السيرة الذاتية، وكل ما يكتبه عن حياته يحمل وجهة نظره ورؤيته للعالم، فهو ينتقي الزوايا والأحداث والأسلوب الذي يساعده على إيصال وجهة نظره تلك.
الإنسان نتاج طبيعي للمجتمع:
يقول علم الاجتماع أن الطفل يكتسب 80٪ من القيم عند ٧ سنوات وال 20٪ عند ١٢ سنة تقريبا، وكما قال فرانز كافكا “هل أنا هو أنا؟ أم أن المجتمع هو الذي خلق الشخص الذي أنا عليه؟”، أي أن الإنسان هو ناتج طبيعي للمجتمع الذي فيه، لكن لا نغفل أن على الإنسان نفسه دور في ذلك، نجد ذلك واضحا في حياة جمال أسعد والبيئة التي نشأ فيها ساهمت نشأة جمال أسعد في بيئة القوصية.
جغرافيا، حيث تقع في وسط أرض مصر شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، كما جاءت نبوءة في الكتاب المقدس “…يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ…” (إش 19: 19). حيث يوجد دير المحرق الأثري الآن، المكان الذي قضت فيه العائلة المقدسة أكثر من ستة أشهر، لذلك يسمى باورشليم الثانية.
واجتماعيًا، هو ابن الطبقة المتوسطة القريبة من الفلاحين الفقراء، قرر الانغماس معهم في اللعب ومشاركتهم الأفراح والأحزان والتحديات والصعوبات، وإصراره على مشاركة المسلمين معه في المسرح الكنسي، والمشاركة في ندوات ومؤتمرات تثقيفية وسياسية ساهم كل ذلك في بناء شخصية جمال أسعد التي تؤمن بالمواطنة وتنبذ الطائفية بكل أشكالها وتقبل التحديات التي تعرض لها وتعرضت لها أسرته بالكامل فيما بعد.
دور الاصدقاء
اللعب مع الأصدقاء المسلمين، والذهاب إلى الترعة – والتي أصبحت شارع الري فيما بعد- عاريا، كي لا تسرق الملابس، أو أحد يقوم بإخفائها كنوع من الخدعة، ويذكرنا بنوع ثان من العري الإجباري في المعتقل، مما أكسبه صلابة وقوة حتى يصبح قادرا على النوع الثالث من العري إلا وهو العري من الزيف، واللعب في شوارع القوصية، أمام المسجد الكبير، وهو مماثل لمسجد عمرو بن العاص في القاهرة، الذي كان يواجه سكن عمته، فدائما وابدا المقارنة موجودة وعين الناقد تفرز ، فعند زيارة السودان شعر أنه في اسيوط خصوصا أمام مديرية أمن أسيوط، وعند زيارة أثينا شعر أنه في الإسكندرية بكل عبق التاريخ، وصف الالعاب مثل السيجة والطاب والكرة الشراب، كان الأطفال يفتلون عصا ملفحة للعقاب… يا وزير يا وزير حكمك يسير، أهمية هذه الألعاب تأتي من بداية الإتفاق بين الأطفال على إختيار فريقين أو تحديد عدد الأفراد، الجزء الأهم أن هذه الألعاب يتم صنعها بأيديهم، ملمح آخر (غديوة) العمل التعاوني المشترك بالجهود الذاتية، كل طفل يشارك بما يستطيع لعمل وجبة جماعية، ومن هنا نشأت فكرة العيش والملح المتغلغلة في وجدان جمال أسعد وهذا ظهر في سرد أيامه عندما يستقبل ضيوفه أو يذهب هو ضيف في بلد آخر يفرد جانب من الوصف عن طبيعة الوجبات في الدول المختلفة.
يعقد مقارنة سريعة بطريقة تلقائية، فقد كانت كل الأنشطة والألعاب كانت تدعم فكرة الفريق والتنظيم والاعتماد على النفس قبل اللعب، كما كانت نوع من اللياقة البدنية والنفسية والاجتماعية والعقلية، للأسف تم استبدالها لأسباب كثيرة جدا للعب بالريموت ولا تحتاج آخر للعب يمكن اللعب مع الجهاز، مما يساعد على العزلة والاكتئاب والأمراض النفسية والاجتماعية والعقلية
ملامح آخر في حياة جمال أسعد الأدبية والفنية والذي يتمثل في الحكايات والسينما، وارتباط الأطفال بقصص خيالية تحكى لهم من الكبار ويحكونها لأنفسهم، الفانوس السحري، والعفاريت، والصاروخ….. إلى أن جاءت السينما في القوصية 1951، وأصبحت رافد مهم من روافد الثقافة والتنوير، اصطحاب الأطفال مع الوالدة والجدة، وأحيانا تحكي له الفيلم وتركز على الدروس المستفادة
ملامح أخر من تكوين جمال أسعد الوطني والاجتماعي، حيث كان محل والده أشبه بصالون ثقافي، تبدأ المناقشة بأحدث الأفلام وتنتقل إلى السياسة، والحياة في مصر والعالم، كان ينادي اصدقاء أبيه باعمامه، يحكي جمال اسعد أن أحد الاعمام، على همام، في زلزال 1968، سند الحائط كي لا تقع عليهم، أحد الاعمام أشتري قطعة أرض للوالد، وأحدهم قام بتوصيل الكهرباء… إلخ
أول ساعة چوفيال اشتراها له عمه عبد الرحيم….
جانب آخر من حياة جمال أسعد العاطفية والوجدانية إلا وهو دور الأم، كانت الأم بمثابة طبيبة القرية وكان المنزل أشبه بمستوصف القرية، حيث يوجد قربة مياه ساخنة لعلاج الكلى، وتعطي الحقن -في أي وقت -للمرضى في القرية. نجد تأثير النشأة الأولى واضحا جليا طوال الحياة، الثبات على المبدأ، الصدق، المواطنة، ثم المواطنة ثم المواطنة
يروي جمال أسعد مواقف مفصلية في حياة الوطن، بعد النكسة ولحظة تهجير مدن القناة، جمع تبرعات ووزعها عليهم، قام بعمل مسرح لصالح المحاربين، انفتح على العالم الخارجي، وأدرك أهمية العمل المشترك الذي يزيل الحواجز الوهمية بين البشر وكان ذلك عن طريق الفن ورسالة الفن الذي يجب أن يرسخ الهوية المصرية والتأكيد على الوحدة الوطنية.
نعود للمسرح أبو الفنون، شارك جمال أسعد في مسابقات مراكز الشباب وحصل على المركز الأول على الجمهورية، على مسرح قصر ثقافة أسيوط، قدم مسرحية المسامير ل سعد الدين وهبة، وقدم أيضا مسرحية الممر (لهذا السبب كان سعيد جدا بدوره في اللجنة الثقافية في مجلس الشعب وقربه من سعد الدين وهبة وكمال الطويل وغيرهم)، من حبه للمسرح والفن عموما كان يسافر كل شهر إلى القاهرة، تعرف على محمود المأمور (كان دفعة محمد صبحي ولطفي لبيب وصالح رشوان ويسهر مع حسني البابا والد سعاد حسني ونجاة الصغيرة، زوده المأمور بكل كتب المسرح والسينما التي يحتاج إليها، في أوقات الأزمة يظهر المارد المصري، في ظروف النكسة والتهجير القسري لمدن القناة أخرجت اجمل ما في الشعب، هذا الشعب به هذه الروح التي تظهر وقت الشدائد، قام بعرض مسرحية جنيفاف من الأدب الألماني 1969، ومسرحية تاجر البندقيه 1970، قام بالاخراج وبالتمثيل والأدوار النسائية كان يقوم بها رجال، وبمساعدة وتعاون مجموعة كبيرة من الشباب المسلمين من القرية.
تربى جمال اسعد حزبيا على حسب التجمع على يد الكوادر ورموز سياسية وتاريخية من الماركسيين والناصريين والقوميين العرب، كون لجنة الحزب بالقوصية، اصدر نشرة اهالي اسيوط على مستوى المحافظة، شارك جمال اسعد في المؤتمرات الحزبية على مستوى الجمهورية، في 1978 شارك في اللجنه النقابية للعاملين ببنك التنمية الزراعي كان عثمان اسماعيل العدو اللدود لحزب التجمع لما يتبناه من فكر الجماعات الإسلامية وأصدر عثمان اسماعيل قرار بعدم انتخاب جمال اسعد ومحاوله اسقاطه في الانتخابات، قاد موسى صبري هجمة ضد التجمع وادعاء وكان يعلن ان التجمع حزب الشيوعي ويعلن مغادرة الاعضاء منه وينشر موسى صبري يوميا استقالات بالاخبار لاعضاء حزب التجمع لانه كان العدو الاول للسادات، بالرغم من ذلك نجح جمال أسعد.
قبض على جمال أسعد قبل تعديلات دستورية 1980 والتي تقضي بان تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الاول للتشريع، قبل الاستفتاء الساعة 3:00 فجرا قامت حملة كبيرة من الشرطة إلى منزله وتم اقتياده الى مركز الشرطة، اخذوا ثلاثة كراتين من الكتب تم ترحيله إلى أسيوط، ثم التحقيق معه في نيابة أمن الدولة، وتوجيه له تهمة النية لإفساد الاستفتاء ووجه له إتهام بأنه كان سيقوم بهذا الدور في مركز البداري يتساءل هنا جمال أسعد ( لا نعلم كيف تمكن المحقق من معرفة اننا كنا ننوي مع العلم بان النية لا يعلمها إلا الله) قضى ثلاثة أيام وخرج بعد الإستفتاء. تم بعدها الكثير من أحداث الفتن الطائفية منها أحداث الزاوية، ومن الدروس المستفادة هنا ان كل الأزمات الطائفية في مصر مصنعة، وأسأل دائما عن المستفيد. بعد أحداث الزاويه جاءت قرارات سبتمبر 1981 تم اعتقال 1563 من كل الاتجاهات السياسية، كان هناك لواء شرطة يدعوه: يا زعيم الشيوعيين، ذات مرة، عند الوصول الى السجن استقبله ضابط بالضرب على الصدر قائلا: ادخل متتمنظرش، هنا يستغرب جمال أسعد كيف هذه المنظرة وهو مكبل بالحديد ويلبس جلابية، يقول”اجبرونا على خلع الملابس كاملة مثل ما ولدتنا امهاتنا اخذوا ما معنا من نقود وبالطبع شنطة الملابس حيث كنت الوحيد تقريبا الذي اخذ معه شنطة ملابس تم توزيع الملابس تم توزيعها على الزنازين” هناك كانت المفاجأة حيث تم حبسه حبسا انفراديا الزنزانة لا يوجد بها غير مرتبه اسفنج 3 سم وجردل لقضاء الحاجة وطبق من الالمنيوم، شعر بحالة من القنوط وفقدان كل أمل حيث أن وجود زملاء مع الليلة الماضية اثناء الترحيل خفف عنه الكثير، أصبح جمال اسعد مسجون مع المسلمين في سجن انفرادي في سجن الاستقبال، والمسيحيون رحلوا الى سجن ابو زعبل، سمع الشيخ كشك يقول له السلام عليكم، فرد عليه: مساء الخير، قال له كشك: لا اقول المساء والصباح، فسمع هتاف يهز السجن: لا مسيحية ولا يهودية، إسلامية، إسلامية
تم ترحيله إلى سجن أبو زعبل وهناك ما يسمى سجن السجن، في زنزانه 14 مترين في متر، لخمس اشخاص، ثلاثة يناموا ارضا واثنين يناما جلوسا، تعرضوا لعملية التفتيش بغرض الإذلال وخلع الملابس بالكامل
في 18 سبتمبر 1981 في الثالثه فجرا تم فتح الزنزانة، ضابط لا يتخلى بأي إنسانية، يعشق التعذيب قال له: جمال اسعد اخرج بره، حبس منفرد، رد جمال: لماذا المنفرد قال له: انت متهم في قضية التفاحة، سأله جمال: وما هي التفاحة هذه؟ قال له: هذه قضية تجسس لصالح الاتحاد السوفيتي، رد جمال: يا نهار اسود
ذهب بعد ذلك الى المدعي العام الاشتراكي علم ان التهمة هي محاولة إفشال الاستفتاء الذي اعتقل سابقا بسببها، وانه ضد كامب ديفيد ومقالاته السياسية ضد رئيس الجمهورية، هنا ارتفعت حالته المعنوية بعد سماع هذا الاتهام، في المعتقل عاش جمال أسعد شعورا مريرا، لم يكن جمال اسعد محسوبا على الكنيسة، فلم تحضر له شيئا ولا الاهل لم يرسلوا له شيئا ولا حزب التجمع اهتم به، وهنا يقول جمال اسعد لم يكن ألم المرض يمثل شيئا مقارنة بحالته النفسية التي فاقت كل المراحل فاقت كل مراحل الألم، شعر بالوحدة والغربة والانكسار.
في24 نوفمبر 1981، بعد ألوان من الإهانة بكل أنواعها، تم أخذه من المعتقل في رحلة غريبة، خاف من التصفية الجسدية، فجأة وجد نفسه أمام مبارك، رئيس الجمهورية، وتم العفو عنهم، الغريبة أنه بعدما عاد إلى السجن لأخذ نقوده ليذهب بها إلى القوصية، مأمور السجن أمر بعودته إلى الزنزانة،
حين فتح جمال أسعد صندوق الذاكرة يأخذنا إلى مناطق عاشها أغلبنا، لكن لم نكن نرى معظمها بهذا الشكل، لكننا ندهش ونستمتع من جمال الحكي والسرد وضعها في نسق دال أقرب إلى الرواية في حبكتها العامة وفي تفاصيلها أيضاً، هناك لذة استعادة الذكريات المحفورة في ذاكرة الوطن، لكن نسيناها، لهذا الكتاب كان نافعا ومنشطا لذاكرة جمال أسعد بقدر نفعه للقارئ، لأن آفة حارتنا النسيان، كما أكاد أجزم أن جمال أسعد بعد كتابة هذا الكتاب لم يعد هو نفسه بعد كتابته، لأنه يكتب الآن من خارج الأحداث، أي أن الرؤية أصبحت أكثر وضوحًا وهدوءًا من ذي قبل، كما أن قارئ هذا الكتاب لم يعد هو نفسه بعد قراءته. كما أن الكتاب طرح مفيد وضروري وملهم خصوصًا للأجيال القادمة الذين حظوا بإهداء جمال أسعد هذا الكتاب لهم حيث قال في الإهداء
“إهداء
إلى زوجتي التي شاركتني المسيرة ودفعت الثمن وكانت سندا لى فى كثير
من الأوقات
إهداء الى شباب المستقبل أمل مصر القادم “
مستويات القراءة:
هناك مستويات من القراءة، فالقارئ العادي يجد المتعة والتشويق في الجزء الخاص بالرحلات المختلفة والتعرف على عادات وتقاليد لمجتمعات مختلفة، ورحلة ابن الطبقة المتوسطة الذي فاز في الانتخابات وأصبح عضو مميز في مجلس الشعب، كما أن هناك دروس مستفادة على المستوى الشخصي والوطني، تستطيع أن تخلص بها من خلفية الحكي التلقائي من ذاكرة جمال أسعد مباشرة. والقارئ المتدرب سيجد الكتاب مرجع تاريخي وسياسي لمدة خمسة عصور موثق باليوم والتاريخ وأحيانًا بالساعة والدقيقة.
سيرة الوطن أولًا:
كتاب أيامي شهادة على خمسة عصور ليس سيرة ذاتية عادية بل قل سيرة وطنية على خلفية سياسية فالكاتب جمال أسعد لم يكن معنيًا بسيرته الشخصية العائلية بل كان معنيًا بسيرته السياسية والوطنية فلم يذكر عائلته مثلا ولا كيف تزوج ولا نعرف حتى ما عدد ابنائه وبناته، يذكر زوجته بالصدفة وفي عبارة خاطفة وهو يتحدث عن دور المسرح في الكنيسة، فقد قام بإخراج العديد من المسرحيات بمساعدة أصدقاء مسلمين، حيث كانت المواطنة والمشاركة هدف يسعى إليه وعلى هامش ذلك ذكر أن زوجة المستقبل كانت تسكن بجوار الكنيسة لهذا تعرف عليها، وفي موضع آخر يذكر أنه في طريقه لزيارة ابنته هايدي والتي تسكن في عين شمس، تفاجئ بصورته ضمن مجموعة شخصيات تدعم الإخوان في ملصقات تدعمهم في الانتخابات ولم يكن على علم بذلك، ذكر اسم ابنه جون بالصدفة وقت تعيينه في احد الوزارات حيث كان قد تخرج ولم يلتحق باي عمل او وظيفه كأغلب الشباب، وذكر اسم شادي ابنه في جملة خاطفة وقت المظاهرات.
إذن هي ليست سيرة ذاتية بالمعنى الحرفي السيرة الذاتية الأدبية بل سيرة وطنية سياسية موثقة وهكذا يكتب المفكر والسياسي سيرته كما قال نبيل عبد الفتاح في المقدمة الرائعة لهذا الكتاب ووضح الفرق بين سيرة الروائي والمفكر والشخصيات المشهورة والسير الذاتية المختلفة
لماذا ومتى كتب جمال أسعد سيرته:
جمال أسعد لم يكتب سيرته الذاتية أو الوطنية إلا بناء على طلب وإلحاح الاصدقاء كما ذكرها جمال أسعد نفسه، كتب أحمد الجمال في المقدمة “ابن حواري القوصية محافظة أسيوط الوطني العروبي الإنساني، شديد التماسك والاعتزاز بكرامته الوطنية والإنسانية، وهذا المستغني بدرجة زائدة عن الحد، لم يتغير من طبعه ولا حتى من لهجته شيء، له حلم الوطن المتماسك بعيدا عن الطائفية”
هذا هو جمال أسعد كما يظهر من خلفية كتابه “عريانا خرجت من بطن امي وعريانا أعود”
وكما قال في السفارة الأمريكية
دخلت مجلس الشعب فقيرا وخرجت أكثر فقرا، ومتمثلا في ذلك للقديس اثناسيوس مثله الأعلى: “العالم كله ضدك: فرد قائلا: “وأنا ضد العالم” وكما كان هكذا يكون جميع من ينطقون بالحق يكون العالم ضدهم وهم ضد العالم، لكن لا يصمتون.
ثمن أن تكون ضد العالم، مثلما يوجد ما يسمى سجن داخل السجن هناك معارضة من داخل المعارضة
١-بعد النكسة وتنحي جمال عبد الناصر كان لابد من الإستفتاء ٣٠ مارس 1968، كان هناك أمين اللجنة هو أمين مركز شباب صدفا، كان بالتوريث، ومن باب إعلان الوفاء يجعل المستفتي يعلم على الورقة بعيدا عن الستارة، رفض جمال أسعد هذا الموقف وأصر أن يعلم خلف الستارة،
2-أختلف جمال أسعد مع البابا شنودة الثالث رغم حبه الشديد له واحترامه المستمر حتى الآن كرمز ديني وراعي وأب للكنيسة التي ينتمي إليها لكنه اختلف معه، وهو الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية، أعترض أن يكون للبابا دورا سياسيا لأن ذلك يعمق الطائفية التي يحاربها جمال أسعد وبكل قوة.
كما انتقد الطريقة التى تعامل بها مع تيار الإسلام السياسي. وهى كما ذكرها (عدى وأنا أعدى علشان الأمور تعدى) حيث كانت تظهر خلافات مع النظام عند وقوع حوادث طائفية، وكان البابا يلوى ذراع النظام بالذهاب إلى الدير، كنوع من الاعتصام للضغط على النظام خاصة بعد ظهور جماعة أقباط المهجر والمتأبطين الذين كان يعتبرهم البابا ظهيره السياسي فى الضغط الخارجي على النظام”
٣-اختلف مع تحالف حزب العمل مع الإخوان مع الأحرار على تولية مبارك مدة أخرى
٤-أختلف جمال أسعد مع مبارك رغم أنه قام بتعيينه في برلمان 2010، وفي لقاء مصور قال ل مبارك أنا ضد الترشيح
٥-أعترض على إهانة مبارك رغم أنه معارض له أمام القذافي، عندما اتهمه القذافي بالبارك، رفض جمال أسعد قال له لا نقبل اهنانة الرئيس وأوضح له المستفيد من الأزمة المصرية الليبية وضرورة حل الأزمة
ومواقف مثلها مع حاكم السودان
٦-أعترض على إلغاء الصف السادس في مجلس الشعب رغم أن ابنه مستفيد
(والغريبة أن الذي برر إلغاء الصف السادس هو نفسه الذي برر عودة الصف السادس مرة أخرى)
الربط بين الأحداث:
عندما تطرق جمال أسعد إلى حركة تمرد” والتي كانت حركة معارضة مصرية لسحب الثقة من محمد مرسى والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، قامت بدعوة المواطنين إلى التوقيع على وثيقة تحمل اسم الحركة التي سعت لتسجيل المعارضين بالاسم وبطاقة الرقم القومى لإضفاء الشرعية على مطالبها وتكوين زخم شعبى لها) وذلك على غرار التوكيلات التى تمت لوفد السياسيين لمفاوضة الإنجليز فى ١٩١٩
الدروس المستفادة للحوار
تحول عادل حسين:
من خلال علاقته الخاصة بعادل حسين اكتشف أنه لا يعرف شيئا عن المسيحية والمسيحيين، كما أنه لم يكن متعمقا على الإطلاق فى الفكر الإسلامي الصحيح، باعتبار أنه كان طوال الوقت ماركسيًا. فى حوار معمق مع عادل فى قضايا حساسة وهامة، بهدف أن يكون هذا الحوار بداية وخطوة فى تقريب الأمور وتوضيح الحقائق الغائبة عن الطرفين، كان هذا الحوار على صفحات جريدة الشعب ومن خلال حوارات شخصية مباشرة. كانت النتيجة تفهم عادل حسين لكثير من القضايا، حيث يقول جمال أسعد
(فبالحوار المعمق والموضوعي وصلنا إلى فكرة الإسلام الحضاري)
عادل حسين الأمين العام لحزب العمل الذي يكتب مقالات مستفزة جدا ضد الأقباط فى جريدة الشعب، خاصة بعد التحالف الانتخابي مع الإخوان ورفع شعار) الإسلام هو الحل، وقد وصل عادل حسين فى مقالاته إلى القول: على الأقباط إما أن يدفعوا الجزية أو أن يغادروا مصر!! صار من أكثر المدافعين عن حقوق الأقباط.
ملامح الكتابة:
اللغة:
اللغة سهلة سلسة مطعمة بالعامية المصرية لا تخلو من التشويق، كما استخدم الفلاش باك استخدم الاستباق لإحداث سوف يذكرها بالتفصيل فيما بعد. كما أن جمال أسعد له لازمة في الكتابة القريبة الحكي الشفاهي مثل
يا نهار أسود
يا داهية دقي على دماغي
“لكن وما إدراك ما لكن هذه” او “أسقط في يدي” عندما يذكرها تتنبأ بأن الرياح تأتي على السفن بكل أنواع الخزلان والظلم ومفاجآت مخزية يتوقعها القارئ.
كتابة أدبية
لم تخل كتابة جمال أسعد من الكتابة الأدبية، هو أديب تاه في دروب السياسية فمثلا يقول لك في وصفه الشوارع “وكانت الشوارع مسكونة بعبق التواريخ” والكثير من الجمل التي تدل على أننا أمام كاتب بدرجة سياسي ولتخفيف الوجبة الدسمة في الكتابة عن السياسه وتطعيم الأيام، أيام جمال اسعد، بالجانب الإنساني والنفسي وعن طريق الفلاش باك أيضًا عندما تعرض لفرصة لممارسة الجنس في روسيا تذكر محاولات الأولى وهو طالب في الصف الأول الثانوي، وعندما علم ان الشخص المرافق لهم هو زوج السيدة التي سوف يمارس معها الجنس هرع للخارج هربًا وخوفًا تذكر ذلك وهو أيضًا في روسيا وأيضًا وهو في اسطنبول، في اللحظة الحاسمة هرب من كل المحاولات جميعًا وذلك لتأثره بذكرى المحاولة الأولى وهو يكتبها بأسلوب كوميدي لتخفيف الوجبة الدسمة عن السياسة والحياة الجادة.
العناوين الجانبية ومنها على سبيل المثال:
ما أطلعني زكي بدر على صور مخلة لصالح أبو إسماعيل
أنا واإلخوان وتوظيف األموال
غيَّرت أفكار عادل حسين وحاورت الترابي والبشير
البعبع .. كمال الشاذلي
وأخذت أجري هار با من منطقة لبائعات الهوى في اسطنبول
وخطبت من فوق منبر األزهر الشريف
البابا يعارض تعييني فى مجلس الشعب ألني “ضد الكنيسة”
هكذا كان أحمد عز يدير برلمان 2010
هذا ما حدث في ليلة 25 يناير وما بعدها!
أزمة غياب التنظيم الثوري والتشتت الذي سهل مهمة الإخوان
يستعجلون قطف الثمار فيهرولون نحو الهاوية
الثورة على من اختطفوا الثورة واقتلاعهم من الحكم
قطف ثمار نضال إبعاد الكنيسة عن السياسة
العناوين الجانبية عند جمال أسعد كانت موافقة بدرجة كبيره حيث ان العنوان دال فهو تكثيف للخطاب داخل النص القادم فهو تلخيص لما سيروى من الأحداث التي سوف تقدم على قراءتها وهو أيضًا للتسهيل في التصنيف وسهوله البحث عن المعلومات والتواريخ والشخصيات المهمة التي تناولها
أدب الرحلات
يوجد في الكتاب جانب كبير من أدب الرحلات حيث المعلومة والغرابة والطرافة في نفس الوقت وهنا أذكر على سبيل المثال في حوار التقارب بين الديانات في السودان كان هناك رئيس ديانة وضعية يمشي حافيًا وهناك أحد المساعدين يقوم بكنس الأرض أمامه حتى لا يدوس الحشرات،
في روسيا ألقى خطاب عن الوفد المصري، حيث تم حقن السماء حتى لا يسقط المطر أثناء المؤتمر.
كما قابل ايضا سيدة مسيحية والية لأحد الولايات في جنوب السودان وهي واحدة من أربع زوجات لزوج مسيحي، وقابل أيضًا شيخ الأزهر، مسلم طبعًا، وهو ابن عم أسقف، مسيحي طبعًا، والمسيحي هذا اسمه الزبير.
المواطنة ولا شيء غير المواطنة:
جمال أسعد لديه هاجس طول الوقت يظهر بإرادته وغصبًا عنه إلا وهو المواطنة وقبول الآخر، فالوطن ليس مكان نعيش فيه بل يعيش فينا كما قال البابا شنودة، لهذا هو لا يقبل فكرة شركاء الوطن أو حتى الوحدة الوطنية بل يريد ما اسماه التوحد الذي هو ضد أي طائفية.
ثبات المبدأ:
المواقف الثابتة مع التغير طبيعة المكان والزمان والظروف المحيطة ففي السودان وقف واعترض ضد على حاكم السودان وفي ليبيا اعترض على القذافي وفي كل مكان زاره، حتى على الأرض الأمريكية في السفارة الأمريكية.
ملمح آخر من ملامح أيام جمال أسعد بجانب الجدية والمزاح، الحب والرومانسية الخفية في حياة الأسرة والوطن، المبادئ لا تتجزا، الأصالة، الصدق، الثبات على المبدأ، المعارضة دون تأثير العقل الجمعي عليه، نجد أنه في حالة تعلم مستمر، كما أن يوميات جمال أسعد كشفت عن قارئ جيد وناقد حقيقي يرغب الأفضل للوطن
شرف واعتزاز:
بدأ جمال اسعد أيامه المكتوبة بالقوصية قرية عزبة القرود وانهى كتابه بالعودة إليها، حيث عاد إلى نشاطه المعتاد بعد ان رفضت الكنيسة انعقاد هذه الاجتماعات سابقا فهو الآن يعقد اجتماعًا في بيته مرتين في الشهر، على ارض القوصية الخصبة يزرع ويروي أشجار الوطنية الخالصة وقبول الآخر وينقي الحشائش الضارة من طائفية وعنف وتطرف.
يستحق ما قاله عنه زكي بدر مخاطبا ابنته هايدي في أحد المرات
“ابوكي رجل جدع لك أن تفخري به”
ونحن جميعا نفخر بك يا جمال
الشخصية السوية
علم النفس يقول أن داخل كل منا شخصيتان، شخصية تظهر للجميع وشخصية تظهر للشخص فقط، كلما قل الفرق بينهما يكون الشخص السوي الذي نرغب فيه في المجتمع، وهذا ما وجدته في أيام جمال أسعد
توصية:
الكتاب ملهم لكتاب الرواية والقصة والسيناريو، لذا أنصح كتاب السيناريو بمعالجة الكتاب دراميا وأخص بالذكر شادي اسعد لأنه متخصص في هذا المجال، كما أنه عانى الكثير بسبب مواقف والده المشرفة