صفوت عباس يكتب: انتصار الصائمين
كنا صبيه لاندرك معني حرب او احتلال او نصر او هزيمه او (نكسه) والاخيره كنا نسمعها اكثر مما نسمع هذه الاسماء المبهمه لدينا، كان الجو خانقا مفعما باليأس مع بعض الرجاء تحسهما في انكسار نظرات الكبار وعمق تنهيداتهم الحاره عندما ياتي خبرا مقتضبا يحمله من استمع النشره المسائيه من الراديو الوحيد الموجود لدي بائع الدخان وجاز الكيروسين في النجع الذي يلفه ظلام دامس ما ان ترحل الشمس الا من ضوء مصباح (شعلوله) الذي يطلق رمادا اكثر مما يشع نورا..
في كل شارع او حاره من النجع الصغير الذي تسكنه اسر قليله ترتبط بقرابه او نسب او جوار متين وفيه تجد ان اغلب البيوت قد التحق احد ابنائها او ربما اثنين للخدمه في الجيش ولحاله اللاحرب واللاسلم كانوا يعودون في اجازه بعد كل شهر او اثنين وكان يجتمع كل اهل النجع للسلام عليهم عند عودتهم وكان المجندين يرسلون خطابات الي ذويهم عند غيابهم لمده طويله وكان خبر الخطاب يعرفه ويتناقله كل سكان النجع “فلان جاب جواب”.
حاله الاحتفاء والقلق والاهتمام بالمجندين وخبرهم كان مبعثها الظلال الكئيبه التي صبغت ذاكره الناس عن حكايات من استشهد او فقد في حرب النكسه هذا اوجد احساسا لدي الجميع بان المجند حينها كان مشروع “شهيد او مفقود”
استمر هذا الجو الخانق الكئيب المحروم من خبر جديد يفكك جموده ويزيح حاله الاسي المرسومه بشده علي وجوه الجميع _استمر_من ١٩٦٧ الي اكتوبر ١٩٧٣ والذي توافق مع شهر رمضان ١٣٩٣ هجريه وفي يومه العاشر ومع لاشيء جديد في افق الاخبار انطلق صوت الراديو في الثانيه بعد الظهر ليعلن ان القوات المسلحه المصريه قد عبرت قناه السويس في طريقها لتحرير سيناء من اثار النكسه والاحتلال وسري الخبر ببطء يواكب بطء الحياه حتي انه وصل لبعض سكان النجع مع افطار ذلك اليوم وتحلق الناس ليلا حول راديو ابو علي ليعرفوا اخبار المعركه وانقبضت قلوب اهالي المجندين واصبح الناس يتقلبون بين استبشار بالنصر مع حذر شديد زاد مع اعلان الثغره الي ان استقر امر النصر الذي ابي الا ان ياتي في رمضان الانتصار.