راندا الهادي تكتب: اِنحناءة مورياسو!!
وبعد وداعِنا للمونديال، يجب التوقفُ عند مشهدٍ من الصعبِ إغفالُه، ألا وهو مشهد الانحناءة الطويلة التي ودّع بها المديرُ الفني لليابان مونديال قطر ٢٠٢٢م.
لعل كتابة هذا المقال تحمِلُ نوعًا من ردِّ التحية لهذا المنتخب الذي نجح _ ودومًا يفعل _ في فرض المحبة والإعجاب ببلاده في كل مكان.
عندما قدَّم لنا الإعلامي السعودي (أحمد الشقيري) سلسلةً من الحلقات في برنامجه (خواطر) عن كوكب اليابان الشقيق كما كان يُسميه، لم يكن يُركز على ما وصله هذا الشعب من تقدم وتطور تكنولوجي بقدر تركيزه على قيم وأخلاقيات المجتمع الياباني.
هذه القيم التي تبدأ عمليةُ غرسِها في الطفل منذ نشأته وتربيته الأولى، بالتكامل بين البيت والمدرسة، في تناغم عجيب يجتهد فيه الجميع لإخراج جيل يحترم الكبير، ويَدعم الضعيف، ويُقدر قيمة العِلم والمُعلم، ويُقدس النظافة.
وهنا لنا وقفة عند مشهد تكرر في كل مبارايات المنتخب الياباني في مونديال قطر ٢٠٢٢م، مشهد غرفة تبديل الملابس للفريق التي دومًا يتركها غاية بالنظافة والترتيب كما تسلمها، بل ولا ينسى عباراتِ الشكر والامتنان مكتوبةً باللغتين العربية واليابانية؛ للتعبير عن امتنانه بحسن الضيافة والتنظيم.
لماذا يفعل اليابانيون هذا؟! ببساطة لأنهم نشأوا على ذلك، ليس مجهودا مفتعلا للفت الأنظار أو سرقة الأضواء كما يفعل البعض تكلفا، ولكنها ثقافةُ هذا الكوكب الذي يوجد معنا على الأرض!
قد يرى البعضُ هذا طبيعيا من فريقٍ يريد تركَ انطباعٍ جيد لدى الجميع، قد تشوبه أوامرُ وتعليماتٌ خارجةٌ عليه!! أوافقك الرأي، ولكن هل أخذ الجمهورُ الياباني الذي جاء لتشجيع منتخب بلاده أيضا أوامرَ عُليا بتنظيف المدرجات قبل رحيله؟! لا أعتقد.
فحتى الآن لا يغيبُ عن بالي الڤيديو الذي صوره أحدُ الصحفيين القطريين منبهرا بأفراد الجمهور الياباني الذين أبَوا مغادرةَ المدرجات قبل تنظيفها وتركها كما كانت!! هل كانوا مُتأففين عند قيامهم بذلك؟! لا، بالعكس، كانوا طبيعيين جدا، مؤكدين للجميع أصالةَ هذا السلوك عندهم.
أتعبتنا يا (اليابان) لدرجة أن بعضًا منا _ نحن العرب _ تحوَّل لتشجيع هذا الفريق لمجرد دماثة خلقه وتقاليده وسلوكياته الطيبة، وطالنا الحزن من مغادرته المونديال وخسارته أمام كرواتيا.
وعلى الرغم من إحراجه لمنتخب إسبانيا، وتسببه بخروج ألمانيا من البطولة، وإقالات بالجملة في الاتحاد الألماني لكرة القدم، وتأهله أولَ المجموعة التي لم يكن مرشحًا بها… يقف المدرب الياباني (هاجيمي مورياسو) أمام الجمهور مُنحنيًا ومعتذرًا بسبب الخروج من المونديال!
ولم يَصِحْ هنا وهناك، بأننا أبطال، وحققنا إنجازًا، ويكفينا الوصول لدور الـ ١٦ ، أو تعالَى صوتُه بتعليق الخسارة على التحكيم والأعمال السُّفلية أو أرضية الملعب وظروف المناخ!! للأسف لا يمتلك المدربُ الياباني هذه المهارة التي يبرَعُ فيها العرب مدربون ولاعبون.
نعود إلى اليابان وفريقِها، رافعين القبعة لتشريفهم لنا وآدائهم المحترم الرفيع داخل وخارج المستطيل الأخضر، داعين الله _ عز وجل _ أن تصيبنا عدواهم ولا نبرأ منها أبدًا!!