مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب : الشتاء وكسوته أو ( وكسته)

هذه الأيام من العام تذكِرني عندما كنا صغارًا ، كنت انتظر أنا وأخوتي بداية الفصول ، خاصة فصلي الشتاء والصيف ؛ لأنه وفقًا لما تعودنا عليه فهو الوقت الذي يشتري فيه والدينا لنا الجديد من الثياب .
الاعتياد على هذا الروتين الجميل جاء من منطلقين ، أولهما أننا في فترة النمو فمن الطبيعي أن تتغير أجسامنا عامًا بعد عام وفنحتاج الجديد من الثياب بقياسات مختلفة ، والمنطلق الثاني هو أنني البنت الوحيدة بالأسرة فلا توجد من هي أكبر مني ، لأرث منها الثياب كعادة كل البيوت المصرية في حقبة الثمانينيات والتسعينيات .

لكن تلك العادة لم يقتصر فيها الجمال على الملابس الجديدة أو الكسوة -كما اعتاد المصريون تسميتها – فحسب ، وإنما الجمال كله بالنسبة لنا نحن الصغار كان في رحلتنا للشراء ، حيث كنا نسافر من مدينتنا ( دكرنس) إلى مدينة المنصورة التي يفصل بيننا وبينها ما يقارب النصف ساعة ، ولعل ذاكرتي هنا تحمل للشتاء الكثير ، حيث كان يصحبني أبي وأمي مع أخوتي إلى محل ( المكباتي) في المنصورة وهو من أشهر محلات بيع البلوفرات والملابس الصوفية لاختيار ما يعجبنا ، أو – لنقل وفقًا لما يحدث بالفعل – يُعجب والدينا ، ثم نستكمل الرحلة في شارع آخر تصطف على جانبيه محلات الأحذية لاختيار البوت المعتبر ، وعن نفسي كنت أفضل ما يعلوه الفرو .
ووسط طاحونة الاختيار والقياسات ومط الشفاه والقمص – مني ومن أخوتي طبعا – إذا لم يعجبنا ما اختاره أبي وأمي يكمن أفضل جزء في اليوم ، حيث نذهب لمطعم شهير بالمنصورة قريب من محطة القطار لتناول ساندويتشات الكفتة الشهية ، ونختم اليوم عند أشهر حلواني بالمنصورة لتناول فطيرة السكر المحشوة بالكريمة والتي تقدم ساخنة ، فتدفيء القلب قبل المعدة في ليل الشتاء البارد .

ما أجمل ذكرياتي مع الشتاء في الصغر ! وما أسوء ذكرياتنا الراهنة مع الشتاء ، وأخص هنا عملية الشراء للكسوة الشتوية ، لقد أصبحت مقدمة فصلي الشتاء والصيف عند الأسر المصرية – أو لنقل غالبيتها – بابًا للنكد ، خاصة مع تعدي أرقام الأسعار على الملابس حاجز الثلاثة أرقام متجاورةً ، لتصبح أربعة وخمسة في بعض الماركات ، فالميزانية التي كانت توفر لك من عامين طقمًا واثنين في الشتاء ، أمست لا تستر جسدك كاملًا هذا العام ، هذا الاستنتاج ليس من درب الخيال ، بل من أرض الواقع ، حيث أخذت جولة في محلات وسط البلد للشراء طمعًا في كرم الجمعة البيضاء ، ولكنها تحولت لجولة مشاهدة ومصمصة شفاه على الشتاء وسنينه والأسعار وأرقامها .

ولا أحمل في جعبتي من تلك الجولة غير تلك المقولة : (الشتاء قاسٍ على من لا يحملون الذكريات الدافئة) ، ومن هنا فليستدفيء كلٌ منا بذكرياته الماضية عن الشتاء ، ولعل القادم يحمل لنا في طياته الدفء والأمل .

زر الذهاب إلى الأعلى