خالد إسماعيل يكتب :علاء أبوزيد.. قناص الحلم والهزيمة فى “معركة درنة”!
القاص المبدع “علاءأبوزيد”،هو ذاته الإذاعى المتميز صاحب الحضور القوى على موجة “شبكة الشباب والرياضة ” المصرية العريقة ،وهو من مواليد “العمرة “أو “قلفاو” بمركز سوهاج ، ومتخرج فى قسم الصحافة ،ومجموعته القصصية الأحدث “معركة درنة ” تمثل إضافة مهمة لما بدأه فى مجموعات قصصية سابقة منها مثلا “القريب الأمريكى ” التى صدرت منذ سنوات وأحدثت ضجة فى الوسط الأدبى المصرى ،وعموما ، يمتاز أسلوب “علاء أبوزيد” بالدقة والتكثيف والمشهدية ، بمعنى أنه يرسم الشخوص ويبث فيها الحياة فتراها نابضة بالحياة وتسمعها وهى تتحاور،وهو “قناص لحظات إبداعية “، بمعنى أن كل خبرة حياتية عنده ، من الممكن أن تكون حبلى بقصة قصيرة ،وهو ليس من “كتاب الفكرة المسبقة”، هو لا يبحث عن فكرة ثم يلبسها الحكايات لتصبح قصة، بل هو يصطادها من واقع يعيشه،وهو مستقطر للفن فى ضوء مقولة مشهورة لدى النقاد “الفن انتقال من الخاص للعام ” ومعناها أن الفنان هو من يجعل ما عاشه محل اهتمام جمهوره ،فماهو شخصى ، يمكن أن يكون محل اهتمام الجماهيروهذا يتوقف على قدرات الفنان وذكائه، فى اختيارما يصلح من مشاهد الحياة ليكون قادرا على شغل الجماهير وإمتاعها ،وفى مجموعة “معركة درنة ” للقاص الراسخ “علاء أبوزيد ” ازدادت لغته شفافية ،ودقة فى اختيار اللفظ ،وتنوعت الموضوعات ،ولكى نفهم القصص التى تكون عالم هذه المجموعة ،أن نفهم التاريخ والجغرافيا التى كونت مسرحها ومصدرها ،وعلى سبيل المثال ،قصة “معركة درنة ” التى حملت المجموعة اسمها ،تقدم مشهدا من حياة طفل مصرى يعمل أبوه معلما فى “درنة “ـ المدينة الليبية ـ الواقعة فى “برقة ،شرق ليبيا”، فهو يخوض معركة ثقيلة عليه ضد طفل ليبى يزامله فى المدرسة ،وهو الغريب عن درنة التى يقطنها عربان يكرهون كل وافد ويتعالون على كل غريب ،وتقع المعركة بين الطفلين ، ويقوم الوالد المصرى المعلم ، بعمل جلسة علاج روحى ونفسى لولده ،فحكى له حكاية جده الصعيدى القوى ،الذى كان يجيد لعبة التحطيب ،ويحفظ “السيرة الهلالية “وبعد أن ينتهى من سردحكايته يمنح ولده “فرع زيتون”،مقتطعا من شجرة زيتون عتيقة ،وهذه القصة لايمكن فهمها وإدراك جمالها ، دون التعرف إلى المعركة الثقافية المشهورة لدى علماء الأنثروبولوجيا والإجتماع ،معركة “الصحراء والحقل “،وهوصراع بين نمطى حياة ، حياة الرعى وحياة الفلاحة والزراعة ، ولكن الصراع فى هذه القصة له خصوصية ،تقدمها “سيرة بنى هلال ” التى تروى تاريخ انتقال قبائل “بنى هلال وبنى سليم ” والقبائل النجدية والحجازية من وسط الجزيرة العربية وبادية العراق إلى مصر، فى عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمى ، ثم انتقالها من شرق النيل إلى غربه ثم الارتحال إلى “برقة ” و”تونس ” و”فاس ومكناس”، للقضاء على تمرد “المعز بن باديس ” الذى حاول الخروج على الدولة الفاطمية ، واستقرت هذه القبائل فى ليبيا وتونس والجزائر والمغرب ، وبعد وقوع حروب قبلية وصراعات سياسية بين الدول أو الدويلات التى نشأت فى هذه المنطقة ، وتعرض الإقليم للجفاف ، ارتدت فروع من هذه القبائل “قبائل الحلف الهلالى ” إلى الشرق ،فعاشت فى البحيرة والفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان ، وأصبحت “السيرة الهلالية ” التى تؤرخ لمعارك القبائل التى شاركت فى التغريبة هى “الرباط الثقافى ” بين عربان وادى النيل وعربان الصحراء الكبرى فى ليبيا وكل دول المغرب العربى ،ولما تفجر البترول فى أرض ليبيا ، وأصاب الفقر “عربان وادى النيل “، رجعوا ليعلموا عربان “درنة” ليتقضوا الأجور،وكانت “معركة درنة “ـ القصة ـ التى رمزت لهذا التحول الاقتصادى الذى شهده الوطن العربى فى القرن الماضى ،وفى النهاية أقول إن قصص مجموعة “معركة درنة ” للقاص المبدع “علاء أبوزيد ” يظهر فيها البعد العربى والقومى ،وهو شعوركامن فى قلوب الأجيال العربية التى نشأت فى ظل حلم الوحدة العربية وحلم تحريرفلسطين من قبضة الصهيونية ،والمجموعة تمثل إضافة لفن القصة القصيرة الذى هجره الكتاب وكتبوا الروايات بحثاعن الجوائز المالية الضخمة ،والحقيقة أن القصة القصيرة فن كاشف لقدرات الكتاب ، وقدرات “علاء أبوزيد ” هنا فى هذه المجموعة ،كبيرة وعميقة وتستحق التوقف أمامها بالقراءة والدرس.