مقالات الرأى

حسن الشايب يكتب: بين سُقيا الطيور وقتل الكلاب!

بينما كنت أمارس رياضة المشي، لفت نظري وجود عبوة مياه كبيرة مثبتة على إناء دائري بأرض رصيف المشاة بأحد الشوارع، ويلتف حول “مشرب الماء” عدد من الطيور التي توقفت لتروي ظمأها ثم تغدو خماصا سعيا وراء رزقها، لتعود بطانا بعد أن توكلت على الله حق توكله.

في الواقع لم أستغرب هذا المشهد لأنني كثيرا ما أصادف بنفسي أو أقرأ عن مشاهد مماثلة لمؤسسات أو أفراد تقوم بمثل هذه المبادرات والأفعال الرحيمة ببعض مخلوقات الله مثل الطيور والقطط والكلاب في العديد من المدن العربية، ولكن الذي توقفت أمامه هو أن هذا المشهد لمشرب الطيور كان أمام محل تجاري لبيع طيور الزينة ومستلزماتها من أقفاص وحبوب وما شابه، حيث لم ينس صاحب المحل أو البائع وهو يطعم ويسقي “العصافير” ويقدم لها الرعاية المطلوبة قبل بيعها، لم ينس طيور الشارع الشاردة التي قد تواجه معاناة في بعض البلدان ذات الطقس الحار والتي لا توجد فيها أنهار أو مصارف مياه أو زراعات ومحاصيل تكون مصدرا لعيش هذه الطيور.

لذلك خرجت قبل سنوات مبادرة “سُقيا الطيور” التي دشَّنتها بعض المدن العربية وتضمنت وضع مشرب ماء لـ “سقيا الطيور” في كل حديقة أو مكان لتجمعات الطيور، وهو عبارة تم مجسَّم على شكل بيت حمام وفق الهوية المعمارية التقليدية، بهدف العناية والمحافظة على الطيور، استنادا إلى تعاليم الدين الإسلامي في فضل سقيا الماء، مصداقا لقوله تعالى: “وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الْأَنْعَام: 38).

وكثيرا ما أجد أناسا يحملون أكياس الحبوب ويذهبون إلى حيث تتجمع الطيور في بعض أماكن التنزه أو الأماكن العامة لينثروا لها الحبوب هم وأطفالهم في ألفة وودّ، وهم واقفون وسط هذه الطيور دون أي قلق أو خوف من سلوك أو تصرف غادر من بني البشر، الذين يتعامل بعضهم في كثير من الأحيان بكل قسوة وعنف مع مثل هذه المخلوقات المغلوب على أمرها.

وأنا أتحدث عن الطيور ومعاملتها الرحيمة في بعض البلدان، والتي حباها الله نعمة الطيران، للفرار من أي تصرفات طائشة أو عدوانية من الإنسان، فلا يفوتني التطرق لبعض المخلوقات الأخرى التي تمشي على الأرض وتتعرض لأبشع الاعتداءات والانتهاكات المنافية للدين والأخلاق والإنسانية، ومنها بطبيعة الحال الكلاب والقطط الضالة، ففي كثير من البلدان العربية تتعرض هذه المخلوقات للقتل دون شفقة أو رحمة، تحت ضغط أعدادها المتزايدة ، حيث قدَّرت دراسة عن الكلاب الضالة أعدها أحد مسؤولي وزارة الزراعة قبل سنتين بأكثر من 20 مليون كلب ضال، بينما ذكرت تقارير إعلامية إن العدد بلغ حوالي 12 مليوناً، في حين أن “العدد المناسب لتحقيق التوازن البيئي لا يتجاوز 6 ملايين كلب”، وفق نقيب الأطباء البيطريين خالد سليم، بينما تقدر جهات رسمية في مصر أن عدد الكلاب الضالة يقرب من 6.5 مليون ، وقد بلغ عدد الوفيات نتيجة العقر من الكلاب الضالة 100 حالة في عام 2019، فيما وصل عدد بلاغات العقر الناتجة من الكلاب الضالة إلى ما بين 400 و450 ألف بلاغ سنوياً. (تقرير صحفي، 8 فبراير 2023 – موقع اندبندت عربية).

وفي الأردن الشقيق، أثارت واقعة تعرض مجموعة من الأشخاص للعقر من أحد الكلاب الضالة، زوبعة في الشارع الأردني حول تضاعف انتشار كلاب الشوارع في مختلف أنحاء المملكة، حيث ذكرت تقارير غير رسمية عن تسجيل قرابة 6 آلاف حالة عقر من الكلاب الضالة سنويا، والتي تكلف خزينة الدولة نحو 3 ملايين دينار لعلاجها، بينما أشار التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن وزارة الصحة الأردنية للعام 2020 إلى توثيق 3450 حالة فقط. وأيا كان العدد فإن ظاهرة انتشار الحيوانات الضالة لن يتم حلها بالممارسات العنيفة والعشوائية والتي تسيء إلى الصورة الحضارية لبلادنا العربية والإسلامية، حيث تترصد منظمات وجمعيات حقوق الحيوان العالمية أية ممارسات خاطئة من البعض لتشويه صورة المسلمين ودينهم أمام العالم، وإظهارهم بالعدوانيين ومنتهكي حقوق الحيوان، وهم – أي دول الغرب أو العالم المتقدم – أكثر المعتدين والمنتهكين لحقوق الإنسان والحيوان والطير وكل مخلوقات الله.
وللحديث بقيَّة، إن كان في العمر بقيَّة.

زر الذهاب إلى الأعلى