مقالات الرأى

حازم عبده يكتب: رمضان في الفاتيكان (3-3)

0:00

رحلة في التاريخ والجمال والعمارة، رحلة مع أحد تلاميذ السيد المسيح، القديس بطرس أو سان بيترو أو الصخرة، رحلة صائم إلى الفاتيكان، هو بحق أضخم مبنى معماري باذخ الجمال، هو مجمع الفن والإبداع في مبناه ومفرداته وزواره، فكل الألوان والأطياف من الشرق والغرب، ومن كل الملل والنحل في الفاتيكان.
بدأت رحلة الزحف للخروج من البازيليكا ولم تبق قطرة ماء في جسدي وعلى الرغم من ذلك أصررت على دخول مجمع حمامات الفاتيكان على يسار الداخل إلى كنيسة سان بيترو لأغسل وجهي لتخفيض درجة الحرارة الملتهب، وعلى الرغم من كثرة الزائرين إلا أن الحمامات تبدو فندقية أنيقة نظيفة يقوم عليها عمال مهرة لا يتركون شاردة ولا ورادة إلا قاموا بتنظيفها.
ودعت الفاتيكان بكنيسته البديعة وأعمدته الشاهقة الضخمة لأزحف في شوارع روما للحاق ببقية الأصدقاء في المنطقة التجارية بقلب روما القاسي الذي ألهبه حر أغسطس، ركبت الباص ثم المترو حيث كان ينتظرني الصديق محمود عيسى مدير فرقة التنورة ومجموعة من الزملاء لنبدأ رحلة التسوق ولم يبق فينا إلا النذر اليسير من الطاقة بعد هذا الجهد.
روما مغرية بالتسوق لكنها مزدحمة ازدحام المنطقة الدافئة من مياه الأطلنطي قبالة موريتانيا التي تتكاثر فيها الأسماك على اختلاف ألوانها، فكل الأجناس والألوان تزاحمك الشوارع والمولات ووسائل المواصلات، وعليك الانتباه فهي العتبة، أو الموسكي في المواسم حتى أنك تتمنى أن تخرج فقط دون أن تتعرض لعملية نصب أو سرقة، كان مستغرباً بالنسبة لي أن المولات والمحال يسيطر عليها الصينيون، بضاعة وبائعين، حتى أن المحال ذات البضائع الإيطالية ذابت في هذا البحر اللجي الصني الطاغي، وحين سألت عن السبب عرفت أن معظم المولات في المنطقة التجارية في روما قام الصينيون بشرائها، وانتشروا في القرى الإيطالية كباعة جائلين يسرحون ببضائعهم.
بعد رحلة التسوق أوشك اليوم على الانقضاء، وكان علينا الزحف بما حملنا حتى نصل إلى المترو ومنه إلى محطة قطارات روما لنستقل القطار إلى “شيستيرنا دى لاتينا” وهي أقرب محطة لمدينة كوري حيث إقامتنا، لم يعد فينا جهد ولا طاقة ركبنا القطار فلم نجد موضع قدم، فكان علينا الوقوف وسط زحام رهيب وقوانا خائرة بعد يوم قائظ طويل، وصلنا “شيستيرنا دي لاتينا” كان الباص في انتظارنا حيث انطلقنا إلى مقر إقامتنا أنا والصديق محمود عيسى، وقد جفت عروقنا وذبلت أجسادنا وفقدت كل رطوبتها، حتى أن العرق قد استحال على الرغم من حرارة الجو، لن أنسى عطش هذا اليوم ولا حره، ولا كمية الحليب البارد التي أفطرنا عليها، لا أذكر أننا تناولنا شيئاً غير الحليب، كل منا شرب ما يقارب 3 أو 4 لترات من الحليب الإيطالي الساقع اللذيذ، حتى دبت الحياة مجدداً في أجسادنا في يوم الحليب العالمي بعد يوم صيام في روما والفاتيكان، في رمضان 1432ه/ 2011م وكل عام وأنتم بخير.

زر الذهاب إلى الأعلى