مقالات الرأى

احمد محمد صلاح يكتب : علي باب مصر

جمال الدين الأفغاني

كانت مصر في فترة القرن التاسع عشر ، ارضا خصبة لاستقبال كافة الأفكار والتيارات، ليس هذا فحسب بل كانت متنفسا يلقي فيه كل صاحب فكر او مذهب ما يربو له في تلك البيئة الخصبة ، التي تستطيع ان تأخذ تلك البنذور وتستنبتها ، وتحافظ عليها ، وتلفظ منها الرديء والقبيح ، ثم تخرج وتحتفظ باكثر الأفكار استفادة .
كان ذلك ما حدث مع شبلي شميل ، ذلك اللبناني الذي جاء يلقي قنبلة الفكر والعلم ويضرب تلك القنبلة في احد اعمدة الموروث، فيزعزع ثوابت قلما استند عليها الجمود، ووقف امامها العقل ساكنا، فقام بترجمة كتاب فلسفة النشوء والارتقاء لداروين ليكون حجره في بحيرة الفكر العلمي ، وكان جمال الدين الأفغاني الذي كانت قنابله وحجارته في بحيرات مختلفة ، في مسائل التجديد الديني .
ولست هنا مستطردا في تاريخ حياة الأفغاني وصولاته مع ملوك زمانه ، وكيف انه كان يبكي مستمعيه حين يخطب فيهم، ويتحدث للكبار راسا براس ، ولا يهاب احدا ، ولكننا هنا نحاول ان نعرف كنه ذاك الحجر الذي القاه هذا الأفغاني ، فمن بين ما كتب عنه سنجد ان الأفغاني ـ بغض النظر عما فعله في الفكر ـ كان يشوبه بعض الغموض .
الدكتور رفعت السعيد في المجلد الأول من مؤلفاته الكاملة ، خصص فصلا كامى عن الأفغاني ، حاول فيه ان يثبت أو ينفي عن الرجل بعض ما شابه ، ولكن يلمس تلك الشوائب بمبضع جراح ، فلا يستاصلها ولا يتركها بل فقط يضغ غليها بقع الضوء ثم يتركها علي حالها ، ولكن الدكتور والمفكر لويس عوض قد قال ان جمال الدين الأفغاني كان شيعيا بل وجاسوسا لبريطانيا ، الا ان الدكتور محمد عمارة قد كتب عن الرجل كتابا ضخما فند فيه كل ما قيل في حقة وكان عنوان الكتاب ( جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الاسلام )
ويقول الدكتور محمد عبد الستار البدري “لقد بدأ الأفغاني قاعدته الفكرية الليبرالية من حقيقة أن «الإنسان حيوان يمدنه الدين وليس متمديناً بطبعه»، مؤكداً «أن الدين قوام الأمم وبه فلاحها وفيه سعادتها…»؛ ولكن عوامل الزمن والتردي السياسي وفساد الحكم أثرت سلباً على هذا، متبعاً في ذلك نهجاً مشابهاً للمفكر «روسو» في هذه الجزئية فقط، فأكد أن جوهر الدين الإسلامي عظيم وأن الإساءة التي حدثت ليست موجهة أو نابعة من العقيدة الإسلامية العظيمة ولكنها في تقديره نتاج للأفكار الضالة الشائعة كالباطنية والدهرية وغيرها، التي أفسدت الدين إلى جانب سلوك المسلمين، وقد خصص الأفغاني كتاباً ثرياً بعنوان «في الرد على الدهريين» فند فيه هذه الأطروحة بدقة، مؤكداً أن العقيدة الإسلامية تمثل في حد ذاتها مشروعاً قيماً للتحضر، وآراؤه في التقدير تحتاج لمناقشة أخرى أكثر عمقاً لارتباطها المباشر بقضايا نعيشها اليوم” .
ويستطرد البدري ” وفي هذا الإطار أشار إلى أن الإصلاح يجب أن يكون منبته الرعية ولصالح الرعية أنفسهم، فرفض كل أنواع الهبات الإصلاحية الصادرة عن الحكام المستبدين، وهو ما تطلب أيضاً «إصلاح الرعية» كشرط أساسي لإصلاح الحاكم والأمة ككل، ومن ثم اهتمامه البالغ بالتعليم والبحث العلمي كركن أساسي للتقدم والأخذ بمعايير الحضارة، مؤكداً خصوصية وهوية العالم الإسلامي بالتأكيد على «أننا يا معشر المسلمين إذا لم يؤسس نهوضنا وتمدننا على قواعد ديننا وقرآننا فلا خير لنا»، وأكد على «أنه لا يجب للشرقي في بدايته أن يقف موقف الغربي في نهايته»، مشيراً إلى أن «التجارب علمتنا أن المقلدين من كل أمة المتحلين أطوار غيرها يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها.
كان الأفغاني ينشد الاصلاح الديني من خلال القاعدة ، اي من اسفل ، ولا يريد الاصلاح بالأمر، اي الاصلاح القادم من سلطة اعلي ، خلاصة القول ان فكر الأفغاني قد وجد الهوي لدي مفكري عصره مثل الامام محمد عبده الذي كان صفيه وتلميذه ومدون فكره، وكذلك محمود سامي البارودي ، وغيرهم من عظماء هذه الفترة ، فكان تاثيره عليهم قويا ، امتد من ادمغتهم الي أدمغتنا ، بالرغم ان فكر الأفغاني كان خطبا والكثير منه لم يدون ، اللهم الا ما كان يكتبه في جريدة العروة الوثقي ونقله عنه الامام محمد عبده ، ولكن الشيء الساطع امام اعيننا ان جمال الدين الأفغاني جاول ايجاد تكئة فكرية ودينية تربط بين العلم والدين ، وهي مسأله مازالت تشغل عقول الفلاسفة حتي الان .

زر الذهاب إلى الأعلى