إميل أمين يكتب: الذكاء الإصطناعي والإنتخابات الرئاسية الأميركية
تبدو المعلومات وتدفقها، هي إشكالية العقود القائمة والقادمة، والصراع يدور من حولها في الحل والترحال، سيما أن فرز كمية هائلة من المعلومات التي يتم تخليقها ومشاركتها عبر الشبكة العنكبوتية يعد أمرا صعيا حتى بالنسبة للخبراء .
هنا قد تبدو مصطلحات مثل ” المعلومات المضللة”، في دائرة الضوء صباح مساء كل يوم ، لاسيما أنه يتم بلورتها ومشاركتها بهدف التلاعب بالناس.
تختلق الخدع ، على غرار التضليل الإعلامي ، لإقناع الناس بأن الأشياء التي لا تدعمها الحقائق صحيحة.، ومن هنا تسقط الملايين في فخ المعلومات الزائفة .
أحد الأسئلة المهمة في هذا السياق : هل قصة المعلومات المزيفة قصة حديثة أم أن البشرية قد عرفتها في أزمنة غابرة ؟
تاريخيا تبدو الإشكالية قديمة، لا جديدة، وربما ترجع إلى روما القديمة ، ففي نحو 31 قبل الميلاد ، أطلق القائد العسكري الروماني أوكتافيوس ، حملة تشويه سمعة ضد عدوه السياسي مارك أنطونيو ، أستخدم في هذه الحملة شعارات قصيرة حادة مكتوبة على العملات المعدنية بأسلوب التغريدات القديمة.
بنيت حملته حول فكرة مفادها أن أنطونيوس كان جنديا فاشلا، زير نساء ومدمن على الخمر وغير لائق لتولي منصب رسمي . وقد نجحت هذه الحملة ، فاصبح أوكتافيوس وليس أنطونيوس ، أول إمبراطور روماني وأتخذ اسم أوغسطس قيصر .
لم تعد هناك حاجة في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، إلى عملات روما الذهبية والنقش عليها،فقد جعلت التكنولوجيا الجديدة التلاعب بالمعلومات وتزويرها أمرا بسيطا ، كما تسهل شبكات التواصل الإجتماعي على القراء غير النقديين، أي أولئك الذين لا تتوافر لديهم حاسة النقد وملكته، تضخيم الأكاذيب التي تروجهات جهات مختلفة، حكومات ومؤسسات، سياسيين وشعبويين، يمين ويسار، شركات عابرة للقارات، وجماعات ضغط، مما يجعل المتلقي في نهاية الأمر في حيرة وغير قادر على الحسم بصصواب أو خطا ما يواجهه من معلومات في زمن السماء التي أنفطرت.
هل من مثال على كارثية فكرة المعلومات المزيفة والمغلوطة؟
عام 2015 وفي القلب من جامعة ميسوري الأميركية، أدعى أحد مستخدمي تويتر أن الشرطة كانت تسير مع أعضاء جماعة ” كوكلكس كلان ” اليمينية العنصرية المتطرفة، وكتب على تويتر ” لقد ضربوا أخي الأصغر ..أحترسوا “، وصورة لطفل أوسود بوجه مصاب بكدمات شديدة.
هل كانت القصة حقيقية؟ بالقطع أكتشفت السلطات المعنية أن الأمر برمته خدعة من ” هاكر روسي”، غير أن النتيجة الكارثية لهذه الكذبة تمثلت في إنخفاض بنسبة 35% في تسجيل الطلاب الجدد في العام التالي .
الرسالة هنا هي أن العالم بات مكان خطير، ويزداد خطورة بسبب النوايا الخبيثة وخاصة في عصر الإنترنت..هل زمن الإنتخابات الرئاسية الأميركية هو التوقيت الأنفع والأرفع لجماعات التزييف العميق ، ولاعبي الذكاء الإصطناعي القادرين على تشكيل أميركا كما يريدون وكيفما يوجهون؟
تبدو جموع الأميركيين، وكأنها بأتت مجندة دون أن تدري ، عبر حملات تضليل ركيزتها محتوى مضلل يتم إنتاجه عن عمد ، ويتم نشره لأغراض أنانية أو خبيثة .
يهدف التضليل إلى إثارة عدم الثقة وزعزعة استقرار المؤسسات وتشويه سمعة النوايا الحسنة، وبالقدر ذاته تشوية سمعة المعارضين ونزع الشرعية عن مصادر المعرفة مثل العلوم والصحافة.
تشارك العديد من الحكومات في حملات التضليل. على سبيل المثال ، استخدمت الحكومة الروسية صور المشاهير لجذب الإنتباه إلى الدعاية المناهضة لأوكرانيا .
في أواخر نوفمبر تشرين الثاني الماضي، حذرت شركة ميتا الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام ، من أن الصين كثفت عمليات التضليل.
هل الروس والصينيين بنوع خاص، يستهدفون الداخل الأميركي ؟
سنعود بتفصيل واسع للجواب عن هذا السؤال، غير أننا نلفت الإنتباه بداية إلى أن التدخل الروسي على سبيل المثال ليس حديثا، فقد جرت به المقادير في إنتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، حين أظهر هاكر روسيا خرقا في حملة هيلاري الإنتخابية، الأمر الذي حاول الديمقراطيون إلصاقه بحملة ترمب الجمهوري، ولم تكن الحقيقة سوى إنتقام القيصر بوتين، من هيلاري التي نددت بالإنتخابات الرئاسية الروسية التي جاءت به للرئاسة من جديد عام 2012.
ما يحدث هذه المرة في الداخل الأميركي، ويتركز بكثافة هذه الأيام، إنما يدور في سياق خدمة التضليل لأغراض مزدوجة تتمثل في جعل أحدهم طيب وصالح، فيما الأخر خطير وشرير.
إلى أبعد من ذلك، يذهب التضليل ، من خلال تصوير القضايا على أنها معركة بين الخير والشر، بإستخدام إتهامات الشر لإضفاء الشرعية على العنف .
يحاجج الأميركيون بأن الروس بنوع خاص لهم أدواتهم الإختراقية، سيما أنهم يجيدون قراءة المجتمعات الإنسانية، ويمسكون جيدا بتلابيب الضعف البشري، ولهذا يروجون القصص التي تفت في عضد النسيج المجتمعي الأميركي، من خلال تسهيل تبادل الإتهامات بين الجماعات العرقية والعقدية، فهذا نازي، وذاك فاشي، هولاء متحرشون، واولئك مهووسون دينيا ، أما الهدف النهائي فيتمثل في تحويل الداخل الأميركي ، إلى جماعات حدية، بين الذين معنا والذين علينا ، أي سريدة الثنائية الزائفة ، والتي تجعل القارئ، ثم السامع ، وصولا إلى المشاهد مجبرا للإختيار بين أمرين: ما يراه جيد، أو ما يبدو أنه سيئ، خيار صحيح أة خيار خاطئ ، علم أحمر أو علم أزرق، فيل أو حمار .
وهناك دوما خيارات أكثر من تلك المعروضة، ونادرا ما تكون القضايا واضحة ومباشرة ، وهذا مجرد أحد التكتيكات في التضليل ، حيث يسعى عملاء التضليل إلى إسكات وجهات النظر المعارضة من خلال تصويرها على أنها الخيار الخاطئ.
هل هي بالفعل إنتخابات التزييف العميق ؟