ثقافة وابداع

إصدار أول طابع بريد يحمل صورة الكاتبة توني موريسون

كتب : محمد حسن

أعلنت هيئة البريد الأمريكية، إصدارها طابع بريد يحمل صورة الكاتبة الأمريكية توني موريسون تخليدا لذكراها، وتأكيدا على دورها الفريد في عالم الأدب الذي استخدمته كسلاح لخدمة الإنسانية.
واحتفالا بهذه المناسبة ستقام مراسم الاحتفاء بصدور النسخة الأولى من الطابع البريدي اليوم فى جامعة برينستون حيث عملت تونى موريسون وحظيت بحب الجميع من الطلاب والأساتذة لسنوات طويلة، وذلك لأن الكتابة لم تكن مجرد هواية بل قضية ومهمة إنسانية اتخذتها على عاتقها منذ تجربتها الأولى وحتى آخر لحظات حياتها، الأمر الذي يتجلى واضحا في مقولتها الشهيرة:حياة الكاتب وعمله ليست هدية للبشرية، بل هي ضرورتها التي لابد منها”.
وبالفعل سخرت توني موريسون حياتها لنضالها الإنساني ضد مظاهر الاضطهاد العرقي والتفرقة العنصرية التي عانى منها أصحاب البشرة السمراء في أمريكا خلال القرون الماضية، حتى عرفت أعمالها الأدبية كمرجع لمحاربة العنصرية وتوثيق آلام ضحاياها؛ وتطور ذلك حتى أطلقت على نفسها كاتبة السود الأمريكيين.
ولدت «توني موريسون» في 18 فبراير عام 1931، بمقاطعة أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية لأسرة من أصول إفريقية هاجرت من الجنوب، عانت أسرتها من الاضطهاد والتمييز العنصري، لكنهم واجهوا العنصرية بحب الفن والأدب.
عشقت «موريسون» عالم الأدب منذ طفولتها من خلال أعمال تولستوي و جين أوستن، وفي عام 1949 التحقت بجامعة هاوارد لدراسة القانون، ثم حصلت على بكالوريوس الأدب الإنجليزي عام 1953، ونالت درجة الماجيستير من جامعة كورنيل عام 1955، ثم امتهنت التدريس في العديد من الجامعات ومنها جامعة تكساس الجنوبية، وجامعة هاوارد، وعملت كأستاذة في علم الإنسانيات بجانعة برينستون، وفي عام 1964 عملت كمحررة أدبية في مؤسسة راندوم للنشر لتؤدي دور هام في دفع الأدب الأفريقي الأميريكي للأمام.
بالرغم من عملها لسنوات كناقدة أدبية وإلقائها العديد من المحاضرات المتخصصة في الأدب الإفريقي-الأميريكي، وإعدادها رسالة دكتوراة عن الانتحار في أدب ويليام فوكنر وفيرجينيا وولف، لم تبدأ حياتها الأدبية إلا بعد أن تجاوزت الأربعين من عمرها، حين صدرت روايتها الأولى بعنوان «العيون الأكثر زرقة» عام 1970 والتي استغرقت كتابتها خمسة أعوام وتناولت من خلالها قصة حياة سيدة تعيش في ضاحية من ضواحي ولاية أوهايو تحاول التمرد على العادات والتقاليد السائدة فتصطدم بمن يؤمنون بتلك العادات لتبدأ معاناتها، وحققت الرواية نجاحًا كبيرا استطاعت من خلاله أن تفرض وجودها على الأدب الأمريكي والعالمي حتى الآن.
انطلقت في مسيرتها الأدبية لتنتج 11 عملا أدبيا ترجمت إلى لغات متعددة، ومن أشهر هذه الأعمال سولا 1974، أغنية سليمان 1977، جاز 1992، الفردوس 1997، رحمة عام 2008، لكن ظلت أشهر أعمالها الأدبية رواية «محبوبة» الصادرة عام 1987 وهي قصة حقيقية استوحت أحداثها من تقرير عثرت عليه في الكتاب الأسود الذي يحتوي على العديد من التقارير الصحفية التي ترصد تاريخ الأمريكيين الأفارقة بداية من تجارة الرقيق وصولا إلى حركة الحقوق المدنية.
تتناول الرواية قصة سيدة قتلت ابنتها الوحيدة التي لم تتجاوز عامها الثاني معللة ذلك الفعل بأنه الخلاص الأكيد للطفلة من نيران العبودية والاضطهاد لأصحاب البشرة السمراء الذي اشتدت وتيرته أثناء الحرب الأهلية الأمريكية. حققت الرواية نجاحا مدويا على مستوى العالم وتم تحويلها عام 1988 إلى عمل سينمائي ضخم بطولة وإنتاج أوبرا وينفري.
أما عن أشهر أعمالها في الوطن العربي فهى رواية «كان الله في عون الطفلة» التي صدرت عام 2015 وترجمتها للعربية بثينة الإبراهيم عن دار أثر للنشر، وتتناول الرواية حياة طفلة تتمنى لو تمتلك بشرة بيضاء لتتخلص من الاضطهاد الذي ترسخ إيمانها بوجوده وصعوبة التخلص منه.
بدأت رحلة التكريم الأدبي لمسيرتها الروائية عام 1988 حين حصلت على جائزة بوليتزر عن عملها الأدبي الأشهر «محبوبة»، ثم كانت المفاجأة المدوية التي تعد اتصارا لقضيتها حين حصلت على جائزة نوبل عام 1993 عن مجمل أعمالها، وتبعها حصولها على جائزة جيفرسون للعلوم الإنسانية عام 1996، وميدالية المساهمات المتميزة للمؤسسة الوطنية للكتاب 1996، وصولا إلي حصولها على جائزة بن سول بيلو عن إنجازاتها الأدبية في الأدب الأميريكي عام 2016، بالإضافة إلى تكريم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بتقليدها ميدالية الحرية الرئاسية عام 2012، وكان الرئيس الأميريكي السابق أول من كتب ينعي للعالم رحيلها في 5 أغسطس عام 2019، وذلك عبر حسابه الرسمي على تويتر قائلا: “كانت توني موريسون كنزا وطنيا.. كانت كتابتها تحديا جميلا ذا معنى لضميرنا وخيالنا الأخلاقي، يا لها من هدية أن تتنفس الهواء الذي تتنفسه، ولو لفترة قصيرة”.
واليوم بعد مرور ما يقارب أربع سنوات على رحيلها تنال تكريم أكبر بأن توضع صورتها على طابع بريد أمريكي يجوب العالم؛ تأكيدا على قيمتها الأدبية ورسالة للعالم بأن أصحاب القضايا الإنسانية لا يموتون بل يظل أثرهم باقي إلى الأبد يحدث بهم وعنهم.

زر الذهاب إلى الأعلى