مقالات الرأى

أحمد عبد المقصود يكتب : هل ينجح عيسى فى تحقيق نهضة سياحية لمصر؟

0:00

تفاءلت كثيرا، كما تفاءل غيرى من المهتمين بالشأن السياحى بتولى حقيبة السياحة وزيرا ذو خلفية مصرفية، حيث ذكرنا بحقبة الدكتور فؤاد سلطان مؤسس النهضة السياحية المصرية الذى إستدعى خبرته المصرفية المتميزة لتحقيق نهضة سياحية غير مسبوقة، نسج منها خيوطا شكلت جسرا قويا لبناء صناعة السياحة بمفهومها الشامل الذى يعتمد على أدوات وأليات، مكنته من كسب ثقة المستثمرين ورجال الأعمال فى الداخل والخارج، فبدأت فى عهده ملحمة بناء الفنادق والقرى السياحية فى شرم الشيخ وإمتدت إلى خليج نبق، والغردقة بمراكزها المختلفة سهل حشيش ومكادى ، وتأسست فى عهده الهيئة العامة للتنمية السياحية ، لتبدأ فى ضم مدن سياحية جديدة بالعين السخنة والقصير ومرسى علم.

هذه التجربة الفريدة والتى نرجو أن تتكرر وضعت وزير السياحة والأثار أحمد عيسى، رغما عنه وعنا فى مقارنة، نتمنى من الله عز وجل أن تأتى فى صالحة بل ويتفوق عليها، وذلك لحاجتنا الشديدة والملحة إلى زيادة إيرادتنا من قطاع السياحة وتعظيم عائدتها من العملات الأجنبية،
كان هذا بالفعل إنطباع قطاع السياحة عقب أول لقاء جمعهم بالوزير أحمد عيسى بمدينة شرم الشيخ ، فقد ظنوا أنه يملك أدوات النجاح وأن بيده طوق النجاه لهم، بعد سلسلة من الأخفاقات على يد بعض الوزراء السابقين،
ولكن للأسف خلال الأيام الماضية طرح الوزير رؤيته لقطاع السياحة خلال الفترة المقبلة، والتى جاءت محاكاة أو تكرار لخطط الوزراء السابقين،لا جديد فيها على الأطلاق، رؤية منزوعة الدسم خيالية ، تخالف تماما خلفيتة المصرفية التى من المفترض أن ترتكن إلى حقائق عملية تجعل منها واقعا ملموسا، وليست أحلام تتبخر بمجرد الأعلان عنها أمام البرلمان أو فى الصحف والمواقع الألكترونية.
تعتمد رؤية الوزير على زيادة عدد الغرف الفندقية من 200 الف غرفة إلى 500 الف غرفة ، وزيادة الدخل السياحى من 11 مليار دولار إلى 30 مليار دولار،خلال السنوات الثلاث المقبله !! بالطبع هذه الخطة أو الحلم أو الأستراتجية، سمها كيفما تشاء، لا صلة لها على الأطلاق بالواقع الذى تعيشة صناعة السياحة فى مصر، ولعل هذا السبب فى ظنى يقف وراء الهجوم الحاد على وزير السياحة تحت قبة البرلمان فى الجلسة العامة حيث حظى بحوالى 59 طلب إحاطة،و11 سؤلا برلمانيا،و3 طلبات مناقشة عامة!!
وزير السياحة هنا وضع أحلاما على الورق ولم يترجمها إلى حقيقة واقعية مستندة إلى أليات تنفيذ، فلم يشرح مثلا كيف سوف يجذب الأستثمارات المالية اللازمة لبناء هذا العدد من الغرف ؟ ولم يوضح أيضا ما إذا كان هناك حوافز للمستثمرين المصريين والأجانب تشجعهم على ضخ مزيد من الأموال فى قطاع عانى خلال السنوات الماضية بشكل غير مسبوق بسبب الأزمات المتلاحقة التى ألمت به منذ ثورة يناير 2011 وحتى أزمة وباء كورونا التى ودعته منذ شهور قريبة من هذا العام،
وأعتقد أيضا أن الوزير يعلم جيدا بحكم عمله السابق، أن جميع البنوك وضعت السياحة فى الخانة الحمراء بإعتبارها مهنة “عالية المخاطر” لعدم إستقرارها، وأن هناك قرارات غير معلنه بعدم إقراضها أو التعامل معها، فكيف سيتغلب الوزير على هذه العقبة؟ وهل حصل على قرارات من الجهاز المصرفى بالمساهمة بنسب محددة فى تمويل الأستثمار السياحى؟ وهل يعلم الوزير أن هناك الألاف من الغرفة الفندقية بكافة المدن السياحية توقفت عن إستكمال بناؤها نتيجة لعدم وجود تمويل من البنوك وتراجع الأيرادات السياحية؟
وأيضا لم تشر خطة وزير السياحة، إلى كيفية مواجهة المشكلات التى يواجهها الأستثمار السياحى بسبب البيروقراطية وتعدد الجهات التى يخضع لها والتى تزيد عن 27 جهة !! ومنها على سبيل المثال لا الحصر وزارات البيئة والرى والصحة والنقل والمحليات والتأمينات وغيرهم بخلاف بعض الأجهزة الأخرى التى تجبر المستثمر على الحصول على تراخيص إضافية إخرى!
كيف سيقنع الوزير رؤوس الأموال الأجنبية بالأستثمار السياحى فى مصر إذا كان المستثمر الوطنى يعانى من تعدد الجهات التى يخضع لها؟
الكتابة حول العقبات التى تواجه صناعة السياحية تحتاج إلى العديد من المقالات، سواء فيما يخص الأستثمار السياحى أو السياحة الخارجية، والتى أيضا قال الوزير عنها فى رؤيته انه سيعمل على زيادتها إلى 30 مليون سائح خلال السنوات الثلاث المقبلة،
وهنا علينا أن نعترف ، أن وزارة السياحة ليس دورها على الأطلاق جلب السائحين، بل هو دور شركات السياحة المصرية ومنظمى الرحلات فى الأسواق المصدرة للحركة السياحية، والتى منها على سبيل المثال “تيوى الألمانية-بيجاس الروسية” وغيرهم ،ويقتصر دور وزارة السياحة فقط على تيسير عمل هؤلاء وتذليل العقبات التى تواجههم بالأضافة إلى التنسيق مع كافة الوزارات والمحليات لتهيئة المدن السياحية بما يليق بمصرنا الحبيبة، وكذلك قيامها بالأشتراك فى المعارض الدولية مثل ” بورصات برلين-ميلانو-لندن-موسكو-ميلانو-ريمنى” للترويج للمدن السياحية المصرية،
هذا هو فقط دور وزارة السياحة المعمول به فى كافة دول العالم التى مازالت تحتفظ بوزارة للسياحة، وأتذكر هنا أيضا حوارى مع الأستاذ باهر صبحى مستشارنا السياحى السابق فى برلين، والذى أكد لى أن الراحل فؤاد سلطان كان يرفض حضور لقاءتنا مع منظمى الرحلات الألمان والتى كانت تعقد على هامش البورصة، وكان يصر على حضور شركات السياحة المصرية فقط، لأنهم “أهل المهنة” وأدرى بتفاصيلها، وأن دوره كوزير يقتصر فقط على تيسير أعمالهم لزيادة الأعداد الوافدة إلى مصر.
ولهذا كنت أتمنى على وزير السياحة قبل أن يعلن عن خطته للقطاع، أن يناقشها داخل مجلس الوزراء، لتخرج مرفقة بحزمة من القوانين والقرارات تتضمن تيسيرات غير مسبوقة لجذب رؤوس الأموال المصرية والعربية والأجنبية، لبناء الغرف السياحية التى تحتجها الدولة لزيادة الحركة السياحية الوافدة إليها.

زر الذهاب إلى الأعلى