مقالات الرأى

أحمد صلاح يكتب : بنية العقل المصري “طه حسين”

لعب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين دورا محوريا في بتاء العقل المصري، فعلى الرغم من بعض التشابه بينه وبين رفاعة الطهطاوي، إلا أن طه حسين كان يتميز علي الطهطاوي، في أنه قد فقد بصره في سن مبكرة، ولم يفت ذلك في عزيمة طه حسين الذي لم يكتف بحفظ القرآن في الكتاب كبقية أقرانه، ولكنه أصر علي أن يستكمل تعليمه بالأزهر ثم بجامعة القاهرة، ثم بجامعة السوروبون بباريس، ليعود محمل بفكر جديد، ولكنه في هذه المرة لم يكن كسابقه، مجرد ناقل للحضارة، ولكن طه حسين بدا يحاول الكتابة في المسكوت عنه، في أساسات عقل جبل علي عدد من الأمور المستحيل أن تناقشه فيها، فكان هذا البروفيسور الكفيف يضع يده داخل كهوف لم يطأها أحد قبله، ويبحث في موضوعات لم يكن يجرؤ سابقوه على التحدث أو فتح ملفاتها من قبل.
مات رفاعة الطهطاوي عام 1873 م، وولد طه حسين عام 1889، أي ما يقرب من العشر سنوات بين وفاة حامل مشعل، ووريثه، ولكن في هذه السنوات أيضا ولد اسما علما كان أستاذا لجيل كامل هو سلامة موسى.
يتشابه رفاعة الطهطاوي ومع طه حسين في أن كلا منهما صعيدي المنشأ، أزهري التعليم، من طبقة فقيرة، سافرا إلى باريس، وكما أسلفنا أن ما كان يميز طه حسين ويجعله متفوق على الطهطاوي هو فقده لبصره، مما يجعل هذا الشخص عبقريا.
خاض طه حسين عددا من المعارك الفكرية، كان أبرزها معركته الضخمة بعد نشره كتاب في الشعر الجاهلي، في عام 1926، وأعاد نشره تحت عنوان في الدب الجاهلي بعد عاصفة أدبية، أدت إلى فصله من الجامعة، واستقالة أحمد لطفي السيد على إثرها احتجاجا على فصل طه حسين، وسجالات فقهية بين عدد من الكتاب والفقهاء أبرزهم مصطفى صادق الرافعي ومحمد فريد وجدي.
لست هنا لأفند كتابا في الشعر الجاهلي، ولكن لأرصد شيئا مهما، لقد ألقى طه حسين حجرا في البحيرة الراكدة، بعد أن أضاء النور رفات الطهطاوي فقط، ولم يجرؤ أحد في أن يرفع طرف جلبابه ويخوض في مخاضه راكدة منذ سنين، فما كان منه إلا أن ألقى حجره، فكان أن خرج عليه الخارجون، لنجد سجالا فكريا على صفحات الجرائد وفي مطابع الكتب، ليستيقظ العقل المصري، صارخا أمام تيار ساخن من فكرة، نعم فكرة… كان يحتاجها لكي ينهض من ذلك الثبات، حجر ألقاه طه حسين ببساطة… أو هكذا أقول… لتكون القضية هنا قضية ثقافية سياسية، تحرك كل الركود، وتظهر قدرة العقل المصري على الاستيعاب، والتفكير والتحليل، والاستنباط، والإتيان بالمزيد، في مساجلات فكرية ثقافية ضرورية، لمسح الغبار عن ذلك العقل

زر الذهاب إلى الأعلى