لا نجافي الحقيقة ولا نبالغ في أن ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي في أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم؛ هو التعبير الدقيق لما كان يجري تنفيذه من خطة أن القرن الواحد والعشرين هو قرن أمريكي خالص دون منافسة، والمنشورة في عام 1996 ولتحقيق ذلك يجب السيطرة على أورآسيا أو قلب العالم واحتجاز تطور الصين. ولتنفيذ ذلك طورت نظرية زبجنيو بريجنسكي التي تقول إنه للسيطرة على أوراسيا يجب حصار الاتحاد السوفيتي بحزام أخضر من الجماعات الإسلامية المتطرفة ولكي ينفذ ذلك فلا بد من أيدولوجية هي الإسلام السياسي، وذراع هو الإخوان المسلمين ودولة إقليمية حاضنة ومال وإعلام؛- انظر كتابيه رقعة شطرنج وخطة لعب- أي أن واشنطن ستهيمن على معظم العالم عن طريق الإسلام السياسي. لذلك كان قيام ثورة 30 يونيو بإنهاء أسطورة الإسلام السياسي والاتجار بالدين سياشيا ضرب للعمود الفقري للخطة الأمريكية والغربية.
ولكي يتحقق هذا الهدف الضخم كان لا بد من تطوير الخطة بتقديم جميع أنواع الدعم السياسي والدبلوماسي و المالي والعسكري واللوجيستي والتكنولوجي والإعلامي للجماعة الإرهابية وإدماج بعض عناصرها في منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني بل وإعطاءهم مناصب في الإدارة الأمريكية وصلت إلى أن أصبح أحد أعضاء التنظيم الدولي للإخون عضوًا في مجلس الأمن القومي الأمريكي جنبا إلى جنب مع جون ماكين ومادلين أولبرايت وكوندليزا رايس تحت الإشراف المباشر لرئيس الولايات المتحدة.
هذا التوظيف السياسي بدأ مبكرًا منذ الفترة الواقعة بين الحرب العالمية الأولى والثانية بأشكال متفاوتة، تارة مع البريطانيين وتارة مع الألمان حتى عقد التحالف بين واشنطن والإرهاب العالمي في سبتمبر 1953 في جامعة برنيستون ثم لقاء سعيد رمضان مع وفد الجماعة بالرئيس أيزنهاور.جرى منذ هذا التاريخ توزيع الأدوار في رعاية الجماعة الإرهابية دوليا وإقليميا.
كان استخدام الدين السياسي أهم من الجماعة رغم أنها توفر مخزنًا لا ينضب من الإرهابيين لأن توظيف الدين السياسي يحقق غرض الهيمنة ولو على حساب الجماعة نفسها، فاستخدام الدين كسلاح يعني حرب على الهوية الدينية، بما يقسم الأوطان إلى كيانات ودويلات صغيرة عليها أمراء يتصارعون فيما بينهم وبالتالي تجري السيطرة بسهولة عليها وعلى مواردها من الطاقة وغيرها وعلى أسواقها ويحصل حلفاء الولايات المتحدة على ما يريدونه على حساب جثة الوطن العربي.
الدين وحده هو الذي سيضرب الهوية والمواطنة ويهدم الجيوش ويحول العالم إلى فسطاطين أو دارين، دار الإيمان ودار الكفر، عالم الجهاد وعالم الماك.
لتعزيز الخطة وتمويهها حتى تمر بسهولة ويسر، كان على الجماعة أن تعصر على نفسها كثيرًا من الليمون وترضى بأن تتحالف مع يسار إسلامي أو غير إسلامي وليبرالي يؤمن بالوطن وليبرالي لا يؤمن بالوطن، واشتراكيين ثوريين إلخ..الذين كانوا يتلقون الدعم في نفس الوقت من نفس المشغل؛ حتى لا تنفرد الجماعة الإرهابية بالحكم من جهة، وحتى يسهل الانقلاب عليها من جهة أخرى.
لذلك كانت ثورة 30 يونيو أول من واجهت الحرب الهجينة عليها وانتصرت فيها وأول مسمار في تحدي القطبية الأحادية بخروج شعبي أذهل العالم تحت رعاية وحراسة جيشها مصر العظيم.
بالوثائق: الإخوان عملاء للولايات المتحدة منذ 1953
رغم أن هناك الكثير والكثير الذي كتب عن علاقة الجماعة الإرهابية بالخارج وتحديدًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلا أن ثورة 30 يونيو كشفت عن المزيد والمزيد من الوثائق التي تلقي الضوء على متابعة تسلسل الأحداث والتي كشفت عن أن العلاقة كانت أعمق مما نظن وأن الارتباط بالخارج شامل ومتعدد الأوجه رغم ما نسمعه من إنكار لقياداتهم لهذه العلاقة رغم أن أبسط الدلائل عليها قائم وهي إقامتهم –إقامة مواطنين لهم كامل الحرية في الحركة – في هذه الدول التي كانت ولا تزال تريد إعادة استعمار البلاد في حين يتوجهون إلى أتباعهم عبر القنوات الإعلامية بالجلباب واللحية.
من بين هذه الوثائق كتاب (America’s Great Game: The CIA’s Secret Arabists and the Shaping of the Modern Middle East, Hugh Wilford, Basic Books (2013) أو “لعبة أمريكا الكبرى”: العملاء العرب السريين للمخابرات المركزية الأمريكية وتشكيل الشرق الأوسط الحديث لمؤلفه هوخ ويلفورد الصادر في 2013؛ والذي يقول فيه المؤلف بكل وضوح إنه منذ انتهاء الحرب حاول البريطانيون هندسة العالم بطريقة تجعله بعيدًا عن سلطة السوفييت حيث أطلق ونستون تشرشل في سبتمبر 1946 في زيورخ فكرة الولايات المتحدة الأوروبية، كما أطلق وفق نفس المبدأ؛ فكرة إنشاء جامعة الدول العربية لتوحيد المنطقة بعيدًا عن روسيا؛ فيما نظمت الولايات المتحدة جمعية أصدقاء أمريكا في أوروبا والشرق الأوسط (American Committee on United Europe and the American Friends of the Middle East) وبعد ذلك نظمت المخابرات الأمريكية ندوة في جامعة برينسيتون Princeton حول “أوضاع المسلمين في الاتحاد السوفيتي” حيث استقبلت وفدا من جماعة الإخوان المسملين برئاسة سعيد رمضان واختتمت الندوة بحفل استقبال في البيت الأبيض بحضور الرئيس أيزنهاور في 23 سبتمبر 1953 حيث عقد التحالف بين واشنطن والجهاد العالمي ومن يومها أصبحت الجماعة الإرهابية خزانا لا ينضب من الإرهابيين.
يذكر كتاب (A Mosque in Munich: Nazis, the CIA, and the Rise of the Muslim Brotherhood in the West, Ian Johnson, Houghton Mifflin Harcourt (2010) أو “جامع في ميونخ”: النازيون والمخابرات الأمريكية وصعود الإخوان المسلمين في الغرب، تأليف إيان جونسون وهوجتون ميلفين هاركورت الصادر في 2010؛ أن واشنطن وبمساعدة اللجنة الأمريكية لتحرير شعوب روسيا، جعلت سعيد رمضان يمتلك ويدير إذاعة أوروبا الحرة وهي محطة ممولة من الكونجرس الأمريكي بشكل مباشر لنشر فكر الإخوان المسلمين.
من جهة أخرى، وكما قال زبجنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق كارتر إنه يجب تطويق روسيا والصين وهي القوى الأساسية في أورواسيا بحزام أخضر من جماعات الإسلام السياسي وتوفير الأدوات والمناخ اللازم لذلك مثل أن يكون لهذه الجماعات دولة مركزية تحتضنهم وذراع عالمي يشغلهم ويفرخهم وهو الإخوان المسلمين ودعم مالي ووسائل إعلامية وهو ما نشهده الآن عيانا؛ وقد ذكرت تفاصيل هذه الخطط بالكامل في كتاب (The Truth About Radical Islam Revealed, Skyhorse) أو افتضاح حقيقة الإسلام السياسي الصادر في طبعة جديدة في عام 2018 عن كتاب بنفس الاسم لـ هوبريت فيدرين وروبيرت لافونت باللغة الفرنسية والصادر عام 2016.
بين عامي 1972 و1973 اتفق السير جيمس ماكوين كريج الذي كان سفيرا في سوريا ثم في المملكة العربية السعودية، مع السير ريتشارد بومونت السفير البريطاني في مصر على القيام بحملة ضغط مكثفة لإقناع المملكة المتحدة والولايات المتحدة لاستخدام الإخوان المسلمين في مصر وفي عموم العالم الإسلامي لمقاومة السوفيت والأنظمة القومية حتى استطاعا في عام 1977؛ الذي كان بداية التوظيف العسكري للجماعة الإرهابية حيث قرر بريجنسكي توفير المال والأسلحة في ما يسمى بعملية “الإعصار” وهو ما تم استخدامه في أفغانستان إبان دخول الاتحاد السوفيتي لها وأوضح برنارد لويس أبعاد هذه الاستراتيجية الضخمة في اجتماع مجموعة بلدلبيرج الذي نظمه حلف الناتو في في أبريل من عام 1979 حيث أكد لويس أنه بإمكان الجماعة الإرهابية أن تؤدي دورًا مناهضا للسوفييت وإثارة الاضطرابات الداخلية في آسيا الوسطى وكذلك إشعال الفتنة في الشرق الأوسط كما أوضح الكاتب الفرنسي “تييري ميسان” في مقال له بعنوان “ما تجهلونه عن مجموعة بيلدربيرج”.
وفي عام 1998 اعترف بريجنسكي أنه بلاده وفرت 500 مليون دولار سنويا لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها لإلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفيتي وإنهاء الحرب الباردة وتحرير وسط أوروبا.
وقبل ذلك وتحديدًا في عام 1983 دخلت منظمات المجتمع المدني على الخط حيث تولى كارل جيرشمان رئاسة مجلس إدارة مؤسسة الوقف الوطني للديمقراطية وهي واجهة قانونية لإخفاء أنشطة استخباراتية وكان جيرشمان له شبكة واسعة من الأصدقاء معظمهم من الإخوان المسلمين. كان العمل يجري في كل دول المنطقة بالتوازي بين المقر العام للإخوان في مصر وبين أفرع الجماعة من أفغانستان إلى المغرب. وفي غطاء متوازي أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية والبريطانية الرابطة العالمية لمناهضة الشيوعية والتي تم استخدامها في نقل الجهاديين من الدول العربية والإسلامية إلى أفغانستان وكان أسامة بن لادن عضواً فيها، كما جاء في كتاب (Inside the League: The Shocking Expose of How Terrorists, Nazis, and Latin American Death Squads Have Infiltrated the World Anti-Communist League, Scott & Jon Lee Anderson, Dodd Mead & Company éd).
بالتوازي أيضا أنشأت بريطانيا عام 1985 معهدًا لدراسة المجتمعات الإسلامية واسمه Oxford Centre for Islamic Studies والطريقة التي تمكن الإخوان المسلمين من التأثير في هذه المجتمعات.
بحلول التسعينيات تحولت وزارة الدفاع الأمريكية إلى رعاية الإخوان المسلمين وجميع روافد الحركة تقريبا بشكل رسمي بعد أن كانت تلك المهمة من نصيب المخابرات المركزية وأطلق على هذه العملية Gladio B “جلاديو ب” نسبة إلى مخابرات حلف شمال الأطلنطي في أوروبا ثم Gladio A جلاديو إيه حيث كان يتنقل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري بطائرات سلاح الجو الأمريكي وشاركت في هذه العملية دول كثيرة منها دول إقليمية، وأصبح الإخوان المسلمين وكأنهم أعضاء في حلف الأطلنطي وأطلق على لندن “لندنستان” حيث ضمت العاصمة البريطانية الكثير من الجمعيات الثقافية والدينية التابعة لمسجد فينسبوري بارك بجانب العديد من القنوات والصحف التي تهاجم أنظمة المنطقة ومنها مصر بشكل خاص في شكل تمهيد نيراني لثورات الربيع العربي. كان آلاف الأشخاص يعملون بشكل علني في هذه الجمعيات الثقافية والدينية لكن بعد 11 سبتمبر 2001 أصبح من الصعب على البريطانيين تبرير وجود هذه الجمعيات. انظر كتاب (NATO’s secret armies: operation Gladio and terrorism in Western Europe, Daniele Ganser, Foreword by Dr. John Prados, Frank Cass/Routledge (2005) وكتاب (Classified Woman: The Sibel Edmonds Story : A Memoir, Sibel Edmonds (2012)) وكتاب (Londonistan, Melanie Phillips, Encounter Books (2006)).