مقالات الرأى

ياسين غلاب يكتب: القطاع الخاص والشعب والحكومة والأسعار

0:00

في دولة يتحكم القطاع الخاص لأسباب تخرج عن نطاق هذا المقال في 80% من غذاء المصريين؛ وفي دولة تستورد بحوالي 100 مليار دولار سنويا؛ وفي دولة تنهض ويجري البناء والتشييد في كل ربوعها آناء الليل وطول النهار في سباق مع الزمن، وفي ظل حرب عالمية اقتصادية مخيفة والتي تتعرض مصر لنيرانها من جميع الأطراف؛ وفي ظل شعب أدمن الاستهلاك لفترات طويلة ولم يعد ينتج الكثير؛ يقع على الحكومة عبء تطبيق القانون وكأنها في اقتصاد حرب.
استبشر الشعب خيرًا بالأنباء التي تم تداولها عن قيام الشرطة بحملات ضخمة على منطقة “باب البحر”. باب البحر منطقة لمن لا يعرف تستحوذ على تجارة الجملة للسجائر المستوردة خلاف التي تنتج محليا. كعادة أشياء كثيرة تغض الحكومة الطرف عنها؛ من شأن هذه السجائر المستوردة أن تعدل ميزان هذه السلعة تخفيفا على المواطنين.
الشعب يدرك بفطرته الأصيلة أن القطاع الخاص فكرة مستوردة. قد يميل إلى استهلاك المستورد لكنه في نفس الوقت يأمل بل ويرغب في سلعة محلية تنافس هذا المستورد. الشعب أيضا لا يأمن للقطاع الخاص؛ ولذلك قيل “إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه”. يتمنى الشعب أن يكون لديه سلع وطنية تنافس المستورد خاصة بعد أن تعاملوا مع ذلك في فترات سابقة.
القطاع الخاص لا يؤمن إلا بالربح. قطاعنا الخاص تمادى وصار يكسب أضعافا مضاعفة. كلما طالبه أحد بتخفيف أرباحه، تذرع بالاتفاقيات الدولية والنظام العالمي في التجارة. هذا النظام نفسه في مهب الريح، اكتوت الشعوب من ناره في كل دول العالم. الرأسمالية فشلت في بلادها؛ لا يزال قطاعنا الخاص يؤمن بالرأسمالية المتوحشة.
قطاعنا الخاص يعمل في الاستيراد لا الإنتاج. في كل دول العالم القطاع الخاص يسهم في نهضة الدول؛ إلا لدينا؛ اللهم إلا فئة قليلة تنتمي إلى تراب هذا البلد العظيم. اقتصادنا ريعي واقتصاد خدمات. القطاع الخاص يضاعف أسعار سلعه وخدماته بحجة ارتفاع الدولار. هذا القول مردود عليه.
بكل صراحة وبلا مجاملة؛ جزءًا كبير منه أدمن الاستهلاك. تعددت مصر، فأي شعب نتكلم عنه؟ هل هو الشعب في العلمين أم في باقي الساحل أم في القاهرة أم في مدن المحافظات أم في قراها ونجوعها؟ الفئات الوحيدة التي تتضرر مما يحدث الآن هي الفئات التي لم يزد دخلها أو ثبت دخلها سواء أكانت ممن يطلق عليهم محدودوا الدخل أم من الموظفين. ما عدا هؤلاء فكل من لديه بضاعة أو مهنة أو حرفة يجيدها لم يتأثر كثيرًا؛ فكل هؤلاء رفعوا أسعار سلعهم وخدماتهم وفقا لما يجري الآن.
السؤال هو هل هذا الشعب تغير؛ ولم يعد يعنيه أن يتأذى أخوته أو جيرانه؛ فكل يرى نفسه فقط؛ ويتغافل عما يجري من عملية تنمية تكاد تغرق فيها الدولة بكامل أجهزتها وقواتها ولسانه حاله يقول “أنا دخل جيبي إيه” و”أنا مالي”؛ بالنسبة لمن يعترضون على ارتفاع الأسعار، أما الآخرين، فلسان حالهم يقول “الحكومة؛ تعمل إللي هي بتعمله، واحنا نعمل اللي احنا عايزينه”؛ هذا ليس شعب مصر.
شعب مصر لم يكن أبدًا مدمنا للاستهلاك، شعب مصر كان يحاسب بعضه بعضا بأخلاق المصريين وقيمهم فينفرون من التاجر الجشع، والمحتكر ويجرسونه ويبتعدون عنه؛ ويمتنعون عن شراء بضاعته، التاجر الأمين والصدوق مع النبيين في عليين.
هنا يأتي دور الحكومة. لا نطالبها بتقييد القطاع الخاص. نطالبها فقط بتطبيق القانون. هناك تحول رقمي وهناك فواتير. فليعمل القطاع الخاص فيما يريد أن يعمل به؛ لكن عليه أن يلتزم بالقانون. نريد التعامل بالأسعار الحقيقية وليست تلك التي يضاعفها المستوردون ومن بعدهم تجار الجملة ومن بعدهم تجار التجزئة. هذا التهريج يجب أن يتوقف. فلترفع الدولة سيف القانون ومعها كل الشعب؛ ولتبدأ بعملية جراحة دقيقة ولتبدأ بمن هو الأشد على الشعب عتيا.

زر الذهاب إلى الأعلى