وفاء أنور تكتب : في لحظة غضب !!
اعتادت هذه السيدة مناقشة الأمور التي تأصلت بجذورها في مجتمعها دون تردد ، فهى تدعونا في كل مرة أن ننصت إليها ، لتفاجئنا بحديثها الهاديء الذي يشير إلى قضية هامة من قضايا مجتمعها ، لقد تحدثت بصوت ممتليء بالثقة فقالت : ” أعلم أن هناك منطقًا ثابتًا ، وقوانينًا تحكمنا عند توزيع المهام ، فيقدم ماهو أهم على ماهو مهم ، وأن كل مؤسسة لها لائحة تنفيذية خاصة بها تسعى إلى تطبيقها بحذافيرها ، إلا أنني أجد في هذا هدمًا لحق من حقوق الإنسان في العمل مع أناس بعيدين كل البعد عن الإنسانية بمفهومها الشامل فهم لا يدركون قيمة الجانب الإنساني ، ولا يسعون لتطبيقه على الرغم من أنه هو الضامن الوحيد لتحقيق أعلى معدلات النجاح في أي عمل .
بدأ الهجوم يتساقط عليها كالمطر ، ثم تعالت الأصوات ثائرةً تريد إسكاتها ، أشارت بيدها محاولةً تهدئة الجميع ، وبعد أن نجحت في احتواء تلك الثورة ، وهذا الضجيج عادت لحديثها مرة أخرى في تحدٍ وإصرار وهى تنظر للجميع مبتسمةً لتقول : ” إن ماحدثتكم به الآن كان اختبارًا لثقافة كم تمنيت أن تتأصل في مجتمعنا ، إنها ثقافة قبول الاختلاف وضرورة احترام حق الغير في التعبير عن رأيه والوقوف إلى جواره في محاولة لتفهم وجهة نظره حتى النهاية ، ومحاولة مناقشة الموضوعات بطريقة هادئة ، فكلنا يعلم بأن الغضب عندما يسيطر على المشهد لاينتج عنه سوى المزيد من المشكلات ، والعديد من الصراعات والإخفاقات .
إن تطبيق النظام على معظم أمور حياتنا شيء ضروري ، ولكن عندما يحدث هذا بدون حساب المشاعر الإنسانية ستأتي الأحكام مختلفة ومغايرة تمامًا للمعايير التي تم وضعها من قبل لضمان تحقيق الأهداف ، فلكل منا مارد يحركه ثم يراجع عليه كل مواقفه وهو سيخالفنا يومًا إن تعمدنا إرغامه على الخضوع للجمود ، وأعني به ” الروتين ” البغيض ، إن حاجتنا الملحة لتقدير الآخرين ومشاركتهم مشكلاتهم لاتعترف بالتأجيل ، لاتخضع لجملة ليس الآن ، أو جملة عندما يحين الوقت المناسب ، فربما يكون الوقت المناسب هو الوقت غير المناسب لصاحب المشكلة ، أو لطالب الخدمة .
خفضت رأسها ثم وقفت ساكنة معلنةً بذلك انتهاء حديثها منتظرة ردود أفعال من استمعوا إليها ، ولم تنتظر طويلًا لكي ترى نتيجة دفاعها ، فقد جاء الحكم على ماذكرته مؤيدًا لرؤيتها ووجهة نظرها ، فهناك أوقات تثور فيها مشاعرنا وتتمرد علينا ، أوقات لا تخضع لمعايير ، ولا تهتم بأنظمة ، فلنحذر تلك الأوقات ، ولنتعلم الرفق والمرونة في معالجة بعض المواقف ، ولنحذر غياب الصبر لدينا ، لنتجنب شلال الغضب الجامح الذي لن تنجح في السيطرة عليه أية سدود ، ولن تحده كل الحدود .