تشهد منطقة الشرق الاوسط “برميل بارود العالم” هذا العام، أدفئ ربيع من أي وقت مضى. فقد وصل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، يوم 18 ابريل الجاري إلى العاصمة السورية، دمشق، وأجرى محادثات مع الرئيس السوري بشار الأسد. وتعد هذه أول زيارة لمسؤول سعودي رفيع إلى سوريا منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011. وفي اليوم نفسه، أقرت قطر والإمارات العربية المتحدة أنه من المتوقع أن يستأنف البلدان العلاقات الدبلوماسية رسميًا، وأن عملية إعادة فتح سفارتي البلدين تتقدم. وفي الأسبوع الماضي، استأنفت قطر والبحرين العلاقات الدبلوماسية.
يعتقد لي شاوشيان، عميد المعهد الصيني للدول العربية بجامعة نينغشيا، أن موجة المصالحة هذه مدفوعة بعاملين: الوضع العام في الشرق الأوسط والوضع في منطقة الخليج.
وبالنظر إلى الوضع العام في منطقة الشرق الاوسط، فإن الاخيرة تدخل عصر التعددية القطبية، وأصبحت دول المنطقة أكثر استقلالية ومساحة للأنشطة الدبلوماسية في توسع مستمر مع استمرار تراجع نفوذ الولايات المتحدة.
وبالنظر الى الوضع في منطقة الخليج العربي، كنقطة ساخنة طويلة الأمد في العالم، فإن الوضع في الشرق الأوسط له خطين رئيسيين، أحدهما هو العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية والعلاقات العربية ـ الإسرائيلية، والآخر هو العلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران في منطقة الخليج.
لقد كان الخط الرئيسي الذي يؤثر على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط قبل حادثة “9.11”، هو العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، والعلاقات العربية ـ الإسرائيلية، لكن بعد حادثة “9.11”، تم تهميش القضية الفلسطينية، وبرزت أهمية العلاقة بين إيران والسعودية. واليوم، توفر المصالحة السعودية الايرانية المفتاح والأمل للشرق الاوسط لحل النقاط العالقة الأخرى والمضي قدمًا نحو السلام والاستقرار.
وفيما يتعلق بالمستقبل، ذكرت بعض وسائل الإعلام الأوروبية إنه مع تراجع “المد” في الولايات المتحدة، فإن الربيع في الشرق الأوسط قادم. ومن المتوقع أن يتم إحياء المنظمات الإقليمية التي أصيبت بالشلل بسبب التدخل الأمريكي، مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. وسيحتل الشرق الأوسط مكانة جديدة في العالم.
أشار دينغ لونغ، أستاذ في معهد الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، إلى أن دول الشرق الأوسط أدركت أن المنافسة الجيوسياسية غير الضرورية تستهلك الكثير من القوى العاملة والموارد المادية والموارد المالية، دون أي مكسب. لذلك، بدأت دول الشرق الأوسط في إعطاء الأولوية للتنمية، وهي ملتزمة بتطوير الاقتصاد وتحسين معيشة الشعب وتعزيز التعاون.
من منظور العوامل الخارجية، من ناحية، تقلصت الولايات المتحدة من استراتيجية الشرق الأوسط، وبدأ نفوذها الإقليمي في التراجع، وهي غير مستعدة لتحمل المزيد من مسؤوليات الحماية الأمنية لبعض دول المنطقة، وهذه الدول لديها استعداد أقوى للمصالحة مع الدول المعادية. من ناحية أخرى، لعبت جهود الصين لتعزيز محادثات السلام والتوسط في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران دورًا مهمًا ورئيسيًا في تعزيز المصالحة الإقليمية.
يعتقد كلا المحللين أن المصالحة الإقليمية هي الاتجاه العام، وتتوافق مع مصالح معظم الدول، ومع الاتجاه العام للتنمية الإقليمية، وتؤدي إلى استقرار الشرق الأوسط على المدى الطويل، إلا أن العملية ليست سلسلة.
“في ظل موجة المصالحة التي تشهدها المنطقة، يمكن القول إن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر على مستوى القوى الكبرى والقوى الخارجية”. أشار دينغ لونغ إلى أن البيئة الدبلوماسية بين خصومها الرئيسيين في المنطقة (إيران وسوريا) تحسنت بشكل ملحوظ. ولهذا السبب، تحاول الولايات المتحدة منع دول الشرق الأوسط من تحسين العلاقات مع إيران، وتعارض علنًا تحسين العلاقات بين الدول العربية وسوريا، كما تعارض عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وفي الخطوة التالية، ستستمر في تقويض عملية المصالحة، مع التركيز على إيران وسوريا.
وأشار لي شاو شيان إلى أن التجمد بثلاثة أقدام لا يحدث في يوم واحد. داخلياً، الصراعات بين دول الشرق الأوسط معقدة. ويعتمد ما إذا كان زخم المصالحة يتطور بسلاسة على ما إذا كان بإمكان البلدان تعزيز المصالحة في اتجاه التعاون، وإرساء أساس متين للمصالحة، وتعزيز التنمية المستدامة للعلاقات. خارجياً، لا يتوافق “تيار المصالحة” مع مصالح الدول الفردية، ولا يزال هناك العديد من العوامل المتداخلة. على سبيل المثال، يتعارض مع أهداف السياسة الرئيسية التي تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط -الأمن المطلق لإسرائيل وقمع إيران. لذلك، ستتخذ الولايات المتحدة بالتأكيد بعض الإجراءات لحماية مصالحها ولكنها ليست مفيدة للوضع الإقليمي، بما في ذلك ارسال الأخير للغواصات النووية إلى الخليج العربي.
عن جريدة صوت الشعب الصينية