فنون وابداع

منال رضوان تكتب:القارىء بين النظرة الكلاسيكية والمعاصرة

افتتح ميشال أوتن إحدى أهم مقالاته والمعنونة : ” سيميولوجية القراءة ” بقوله : (يعتبر القارىء أكبر منسي في نظريات الأدب الكلاسيكية…) وقد عزز قوله بمقولة عن تزفيتان تودورف : ( … بلا شيء يمكن أن يقال عن ذلك) ولكن هل لم يكن للقارىء أي وجود في النقد الكلاسيكي من قبل أو بمعنى آخر، هل كان غائبًا بالكلية عن المشهد السردي؟ – من المؤكد أن ذلك ليس المقصود بقول أوتن؛ لأنك حين تطالع بعض الكتابات النقدية السابقة يمكنك أن تلمس مفهموم استجابة القارىء، أو ما يعرف ب.. (نظرية الاستقبال) ، فضلًا عن تبيان المدى الذي به استبق النقد الكلاسيكي ملامح التطور في النقد الأدبي في القرن العشرين، مثل السيموطيقا ( علم العلامات أو الإشارات) والتأويلية والتفكيكية والتحليل النفسي، فقد كان بالفعل يوجد بها بعض هذه التماثلات، وإن كان يعبر عنها بمصطلحات مختلفة وفي أغلب الأحيان ضمنيًا وليس صراحة كما يؤكد على ذلك جورج كينيدي في مرجعه الأهم ” النقد الأدبي الكلاسيكي ” والصادر قبل سنوات عن المشروع القومي للترجمة. وعليه فإنه من العسير القول بأن النقد كبناء من التراكم قد ظهر في صورته الآنية من دون محاولات سابقة عنيت بتحليل النص بوجه عام، كما عنيت بالنظر إلى بالقارىء بشكل خاص، وإن كانت غير واضحة الملمح في عنايتها تلك بالقارىء بوصفه الجزء الآخر من الذات، أو المسرود له. ووفق رؤى نقدية حديثة تتفق حولها نظريات التأويل المعاصرة. ولعل ذلك كان قصد أوتن عندما أوجز تلك الرؤى حول القارىء، والتي أسماها (المسلمات الأساسية) في عدة نقاط رئيسة فقال : ١ – إن تأويل نص ما يبدأ حين الشروع في قراءته: أي علينا بداية ملاحظة الظواهر الموضوعية – الوقائع – في النص قبل تأويله. فلا وجود لواقعة في حد ذاتها، ولكي يمكن أن تتحقق تلك الواقعة، لابد من التدخل المسبق للمعنى. ٢ – إن التأويل يقع بشكل مباشر على المعنى العام للنص الذي نشرع في قراءته: فلا يمكن قراءة النص بشكل سطحي ومحاولة تأويله جملة بعد جملة؛ وإنما يجب أن يتم التأويل في أفق يتيح تحقيق الفهم الشامل للنص، فالقارىء عندما يلج إلى أحد النصوص فإنه يكون فرضية عامة عنه. – (لا أقول هنا قناعة) إذن فهناك حدس مسبق باكتمال النص، يعقبه التأكيد على هذه الفرضية المسبقة إذا كان النص يستجيب للانتظار، أو يباغت القارىء ببعض الدلالات غير المتوقعة، بما يعرف بالمفعول الارتجاعي Retroaction ، والذي يتم وفقه إعادة صياغة وتصحيح ما كان قد تم إدراكه في السابق. ولذا باختصار، فإن النظرية المعاصرة للقراءة كما أولت جل اهتمامها بعملية القراءة، أولت بالقارىء عناية لا تقل أهمية معتبرة تلك العملية – القراءة – نتيجة اللقاء بين نصين : النص المقروء ونص القارىء الذي يكونه نتيجة تراكمات وخبرات عاينها ذلك الأخير، إضافة إلى مؤثرات داخلية وخارجية قد أثرت في طريقة تعاطيه مع النص والذي أصبح لا يقل أهمية عن نص الكاتب في كثير من الأحيان. هوامش: – النقد الأدبي الكلاسيكي، جورج كينيدي المشروع القومي للترجمة، مراجعة وتحقيق أحمد عتمان. ط. أ ٢٠٠٥ – ميشال أوتن سيمولوجية القراءة. مقال – ترجمة عبد الرحمن بو علي ، نظريات القراءة من البنيوية إلى جمالية التلقي. دار الحوار للنشر والتوزيع ط. ثانية ٢٠١٩
زر الذهاب إلى الأعلى