مختار محمود يكتب: “يا ليتني براقًا”!
إذا كنت مُلمًا بقواعد اللغة العربية، فسوف تسخر من الخطأ الفادح الذي يكتنف عنوان هذا المقال؛ فالصحيح أن يكون: “يا ليتني براقٌ”، وليس “براقًا”؛ باعتبارها خبرًا مرفوعًا للحرف الناسخ: “ليت” التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر.
ومن أسفٍ أن هذه الجملة المرتبكة: “يا ليتني براقًا” اسم أغنية دينية لا تتوقف المحطات الإذاعية والتليفزيونية المحلية عن بثها في أيام الجمعة والمناسبات الإسلامية منذ أكثر من عشر سنوات، وكان آخرها مناسبة الإسراء والمعراج قبل أيام، حتى غدت من “كلاسيكيات الأغاني الدينية”، وكأنها “إلى عرفات الله” وما في مستواها!
الأغنية يغنيها الملحن المثير للجدل “محمد رحيم” بطريقة لا تخلو من “الخنفة والخنقة والشحتفة وعدم الوعي”. يتعاظم الأسف عندما تدرك أن الخطأ اللغوي الفاحش في العنوان لا يتوقف عند اسم الأغنية فقط، ولكنه يمتد إلى معظم كلمات الأغنية، ما جعلها أغنية شائهة ضائعة مهترئة. النوايا الطيبة لا تكفي وحدها لتقديم أغنية متكاملة أو عمل فني ناضج وجيد. تشبه الأغنية في ركاكتها وضعفها أداء هشام عباس لأسماء الله الحُسنى. النجاح له أسباب منطقية ومفردات حقيقية ومقدمات جادة.
لا يخلو معظم كلمات هذه الأغنية من السقوط في في فخ الخطايا اللغوية الشنيعة من أولها إلى آخرها، ويستطيع أي تلميذ بالمرحلة الابتدائية الأزهرية أن يرصدها بسهولة ودون عناء.
في الكوبليه الأول من الأغنية الذي يقول: “يا ليتني براقًا يعانق السماء/ ويحمل الرسول نبي الأنبياء/ يا ليتني صحابي في رحلة النقاء/ أو طيرًا وتشرف بحراسة غارَ حراء، تظهر ثلاثة أخطاء بارزة على الأقل وهي: “براقًا”، كما أوضحنا سلفًا، وكذلك كلمة “طيرًا”، ويجب رفعها وليس نصبها، وأخيرًا.. نصب كلمة “غار” رغم إنها مجرورة؛ باعتبارها مضافًا إليه مجرورًا.
الكوبليه الثاني الذي تقول كلماته: “شهادة وحج وزكاة صومًا وصلاة/ سلامًا ونورًا ويقينًا من عند الله، يُعتبر من أكثر الكوبليهات ارتباكًا وعشوائية على الإطلاق مبنىً ومعنىً، وليس أكثر من مجرد كلمات مرصوصة في متتالية غير مفهومة!
تتعاظم الأخطاء اللغوية الكارثية في هذا الكوبليه: “نعتذر، نعتذر، نعتذر نحن المسلمون وفي رقابنا ذنب/ نعتذر، نعتذر، لك يا رسول العالمين يا جد الحسين/ أطفالاَ وشيوخًا ورجالاَ ونساءَ وشباب/ لعليٍ والصديق وعثمانًا وابن الخطاب؛ فجري رفع المنصوب “المسلمون”؛ رغم إنها مفعول به للاختصاص، كما جرى تصريف الممنوع من الصرف “عثمانًا” دون ضرورة، ونصب “ابن” رغم إنها مجرورة، وكان يجب نصب “شباب”، ولكن “القافية حكمت”!
الكوبليه الأخير من الأغنية الذي يقول: “وصلِ وسلم على أشرف من خلق الله/ محمد وأحمد محمودًا هو عند الله/ شهادة وحج وزكاة صومًا وصلاة/ سلامًا ونورًا ويقينًا من عند الله، يشهد انتحارًا للمنطق وهتكًا لأبجديات اللغة العربية ونظم الكلمات، وبدا الأمر وكأنه “تطجين وتجديف ولت وعجن وأي حاجة في قرطاس”!
وأمام هذه الحالة المستعصية والمتردية فإنه يجب أمرٌ من اثنين، لا ثالث لهما: إمَّا منع عرض وإذاعة هذه الأغنية وإعدامها؛ باعتبارها “وصمة عار”، وإمَّا إعادة تصويرها وتصويب ما بها من أخطاء وخطايا معيبة لا تصح ولا يمكن قبولها. هذه الأغنية تعكس حال وواقع الأغنية الدينية في مصر التي تعاني إهمالاً على جميع الأصعدة، ولا تحظى بأدنى درجات الاهتمام والجودة. الهُواة لا يصنعون غالبًا أعمالاً عظيمة. والغريب أن يتم تكثيف إذاعتها على حساب أغانِ دينية جادة وسليمة المبنى والمعنى.
الأغنية الدينية في مصر يتم إعدادها على عَجَل وتفتقد إلى أدنى العناصر الكافية لإخراجها بشكل متميز. المنشدون والمطربون غير العرب الذين لا يتحدثون اللغة العربية مثل: سامي يوسف وماهر زين ومسعود كرتس يقدمون أناشيدَ وأغانيَ تخلو من الخطأ واللحن والارتباك وعشوائية النظم، ويسمعها العالم بأسره ويتجاوب معها. أما نحن فأصبحنا عاجزين عن إنتاج أغنية محلية تخاطب الداخل؛ بسبب الاستسهال وغياب تقنية الإتقان..أو تغييبها.