مختار محمود يكتب: “هنو” في مكتب الإمام الأكبر!
زيارة وزير الثقافة الجديد الدكتور أحمد فؤاد هنو للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بمقر مشيخة الأزهر الشريف، خطوة طيبة ومبشرة. كما إن مخرجات الزيارة –حتى وإن لم تزل كلامًا- جديرة بالثناء والاحترام والقراءة المتأنية. يكفي أن هذه الزيارة أغضبت التيار المعادي للإسلام الذي سرعان ما انقلب على الوزير غمزًا ولمزًا وتجريحًا. طالما تم اختطاف وزارة الثقافة -تحديدًا- وتحويلها إلى رأس حربة ضمن المعسكر الكاره للإسلام بالسليقة. برز ذلك في خطابات وبيانات ومواقف عديدة لا حصر لها، وتتعاظم هذه الحالة عندما يكون الوزير مُستضعفًا لا يملك من أمره شيئًا، إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث. كما بالغ منتسبون للوزارة في تجاوزهم بحق الأزهر الشريف جامعًا وجامعة وتاريخًا وواقعًا وشيخًا؛ لا سيما في السنوات الأخيرة، عندما كان يدعم هذه المعركة غير الشريفة -من طرف حفيٍّ- مُعمَّمون ومسؤولون سابقون! يكفي أن المجلس الأعلى للثقافة يتعمد في كل عام اختيار الشخصيات المثيرة للجدل والمسيئة للدين؛ ليمنحها أرفع جوائز الدولة المصرية وأكبرها قيمة مادية؛ نكاية في الأزهر الشريف. زيارة “هنو” –تحديدًا دون زملائه الآخرين بالحكومة على كثرتهم- لشيخ الأزهر الشريف، لا يُنظر إليها باعتبارها بروتوكولية، ولكنها ذات معانِ ودلالاتِ عديدة. الوزير في مصر –عادة- لا يفعل شيئًا من تلقاء نفسه، ولكنه مأمور؛ ومن ثمَّ.. فإنَّ التحركات والزيارات والاتصالات تكون محسوبة بامتياز، ولا شيء فيها متروك للمغامرة والمزاج الشخصي! وزير التربية والتعليم والتعليم الفني زار أيضًا شيخ الأزهر الشريف في اليوم التالي لزيارة “هنو”. وفي وقت سابق..استقبل الإمام الأكبر وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج.
الإطاحة بوزير الأوقاف السابق، ومن بعدها الاستغناء عن خدمات المفتي، وعدم التجديد للرئيس السابق لجامعة القاهرة، وإعلان وزير الأوقاف الجديد خطته المستقبلية من داخل المشيخة وتحت مظلتها، ثم تعيين أحد تلاميذ الإمام الأكبر مُفتيًا، وحِرص عدد من الوزراء الآخرين، وآخرهم: “هنو”، على زيارة مكتب الإمام الأكبر، جميعُها مؤشراتٌ مباشرة وغير مباشرة على أن الحرب المفتعلة مع الإمام “الطيب” قد وضعت أوزارها أخيرًا. كلُّ خصوم الإمام “الطيب” اختفَوا تمامًا من المشهد السياسي إلى غير رجعة، بمَن فيهم: رئيس مجلس النواب السابق والنائب البهلول اللذان كان يقود خطة تغيير قانون الأزهر الشريف، ولم يتبقَ في الأخير سوى بعض الغربان والأفاعي والذباب “الإلكتروني” ذوي الأداء “الكارتوني” الهزلي الذين لا يتوقفون عن وصم الأزهر الشريف بالإرهاب والتشدد والرجعية والتخلف، في حملات خبيثة ممنهجة، لا تؤتي المراد منها أبدًا؛ بدليل الإقبال الكثيف جدًا على التعليم الأزهري –رغم صعوبته- في السنوات الأخيرة!
بعيدًا عن دلالات زيارة “هنو”، فإنَّ مخرجاتِها تقود أيضًا إلى بعض التفاؤل، وإن ظل حذرًا حتى إشعار آخر! الإمام الأكبر والوزير شددا خلال اللقاء على ضرورة تعزيز أواصر التعاون وبحث سبل الدفع بعجلة العمل الثقافي المشترك، بما يخدم قضايا بناء الإنسان المصري، ويحقق التطلعات الهادفة لتحقيق العدالة الثقافية. شيخ الأزهر الشريف أكد أيضًا على أهمية التصدي للأنماط الفنية والثقافية الغريبة التي اجتاحت مجتمعاتنا، واستهدفت إقصاء الثقافة وتهميش دورها في بناء الإنسان وتشكيل وعيه، وجعلت الشباب العربي معزولًا عن كل ما يغرس فيه الاعتزاز بهويته الدينية والأخلاقية، حتى أصبح عُرضة وفريسة سهلة للاستقطاب، في ظل تفشي الجهل وقلة المعرفة وغياب التعليم الجيد والمحتوى الإعلامي الهادف. الإمام الأكبر دعا أيضًا إلى ضرورة وضع إستراتيجية وطنية لمواجهة التقهقر الثقافي والتراجع الحضاري الذي تعانيه مجتمعاتنا وأثَّر بالسلب على النشء والشباب، والخروج بمنتجات ثقافية وفنية وإعلامية تتناول وضع حلول للأزمات المجتمعية وتطرح رؤى قابلة للتطبيق.
في المقابل.. أكد وزير الثقافة اعتزازه بالإمام الأكبر؛ باعتباره قامة علمية ودينية عالمية عظيمة القدر والمقام، وينظر إليه بعين الاحترام والتقدير والتبجيل. الوزير شدد على أن إستراتيجية الوزارة خلال الفترة المقبلة ستشهد مد جسور التعاون مع الأزهر الشريف، لتثقيف الشباب والاستفادة بمواد المؤسسة وتقديم الجرعات الثقافية والفنية وإعادة بناء الإنسان، مشددًا على اعتزاز الوزارة باتفاقات التعاون التي تربطها بالأزهر الشريف في سبيل رعاية النشء والشباب.
هذه التصريحات الإيجابية والطيبة والمبشرة من جانب الطرفين.. تؤكد أن محاولات تغريب الأزهر الشريف وتقزيمه وتهميشه وإبعاده عن المشهد العام قد باءت بالفشل الذريع من ناحية، ومن ناحية ثانية تنبيء بأن وزارة الثقافة، ربما أرادت تغيير جلدها وتصويب مسارها والاستفاقة من حالة الغياب والتغييب الذي ظلت أسيرة لها حينًا من الدهر، حتى صارت رقمًا صفريًا في معادلة الوعي الحقيقي.
من المؤكد..أن الإمام الأكبر جادٌّ وصادق في كل ما صرَّح به بشأن هذا اللقاء، وقادرعلى تنفيذه وإنفاذه كاملاً؛ فهو سيدُ قراره، ولكن في المقابل..هل ينجو وزير الثقافة بنفسه ووزارته من غربان الكراهية داخلها ومن حولها، ويستطيع تمرير هذه الإستراتيجية الوطنية بالشكل الذي يقود إلى تحقيق نتائج إيجابية وحصد ثمار طيبة، تُنهي سياسة الجُزر المنعزلة بين مؤسسات الدولة المصرية؟