مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: صهاينة الحياة والعمل!!

0:00

ليست كل الأيادي التي نصافحها نظيفة. ولا كل الضمائر التي نتعامل مع أصحابها نقية. ولا كل القلوب التي نخاطب ذويها طاهرة. خذوا حذركم. الدنيا غابة موحشة. المجد فيها لذوي البطش والمكر والخديعة والأذى حتى حين.
يؤذيك مَن كنت تخشى عليه من الأذى، وتأتيك الطعنة الغادرة ممن لم تتوهمه يومًا طاعنًا أو غادرًا. وقد تكون نهايتك المحتومة على يد مَن حاولتَ أن تصنع له البداية المشرقة. لا تأمنن جانب أحد حتى إشعار آخر؛ فقد بسط ابن آدم عليه السلام يده ليقتل أخاه، وتآمر أخوة “يوسف” عليه وألقوَه في غياهب الجُب، وقد قالوا من قبل: “اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا”.
يجرى الأذى في عروق بعض المنتسبين إلى البشر مجرى الدم، ويظنون كل أذى يصنعونه، ومكر يمكرونه، وغدر يغدرونه، انتصارًا ساحقًا، تتباهى به نفوسهم الأمَّارة بالقبح والكراهية، ويتباهوَن به أمام “شلة السوء”،..يحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم.
الأذى والغدر وجهان لعملة واحدة، فكل غادر مُؤذٍ، وكل مُؤذٍ غادر، ولكل غادر لواءٌ يوم القيامة يُرفع له بقدر غدره، فيُقال: “ألا هذه غدرة فلان”، فالحقوق -إن ضاعت بين البشر- فإنها لن تضيع عند رب البشر، بذا حكم الله وقضى، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.
لا تكُن سيكوباتيًا أو ساديًّا؛ فتجعل إيذاء الآخرين مُتعة لك وموهبة تتسلى بها وتزاولها مُتعاليًا. عندما تفعل ذلك لا تظن نفسك قويًا، بل أنت يومئذ مضطربٌ نفسيًا، تتطلب حالتك الحرجة إيداعك مصحة نفسية. لا تكن من صهاينة الحياة، شديدي المكر والجحود، فتجعل إيذاء البشر فرض عين على نفسك الخبيثة؛ فكل شيء سوف ينتهي يومًا، وسوف تجف الأقلام وتُطوى الصحف حتمًا.
الإيذاء في مجال العمل –مثلاً- من أكثر صور الإيذاء قبحًا وتدنيًا ورُخصًا. قد تكتشف يومًا أن أقرب زملائك في محيط عملك هم مَن ينصبون لك الأفخاخ، فخًا وراء الآخر، بكل إخلاص وإتقان، حتى وإن تظاهروا -في كل مرة- بأنهم أكثر المتضامنين معك. هم العدو فاحذرهم. يقول علماء النفس: “يزيد عدد مَن يعانون من هذه الاضطرابات، في ظل الأوضاع التنافسية غير المستقرة؛ فالقدرات التي يتمتع بها هؤلاء، تجعلهم أساتذة في التلاعب والمناورة والمكر، ويساعدهم اندفاعهم وجسارتهم، على الإقدام على مجازفات والحصول على مكاسب قصيرة المدى على حساب زملائهم في العمل”.
في العام 1658 ميلاديًا. خَلُصَ الفيلسوف الفرنسي “بليز باسكال” إلى أن البشر هم “مجد هذا الكون وغثاؤه وحثالته كذلك”، وكان يقصد بـ”الغثاء والحثالة” أولئك الذين يتنفسون إيذاءً ومكرًا ضد الآخرين، ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله.
يا أيها المؤذي غيرَه..اعلم أن كل مُؤذٍ سوف يؤذَى، وكل ساقٍ سوف يُسقى بما سقى، وكل ظالم سوف يُظلم، إن لم يكن بنفس الموقف، فسوف يكون بنفس الألم أو أكثر، وإن لم يكن اليوم فغدًا. وإن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
إن ترك الأذى من أكرم خصال التقوى، وإنه منجاة من الهلكة والخِزي والشقاء والعذاب في الآخرة والأولى. ليكن حظ أخيك منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه. وإذا كانت إماطة الأذي عن الطريق صدقة، فما بالك بإماطة الأذى عن النفوس. كن إنسانًا ولا تؤذِ أحدًا، ولا تكن الثانية..
لا تندهش إن جاءك عقاب إيذائك للآخرين مرضًا خطيرًا أو ابنًا عاقًا، أو فقرًا مدقعًا أو ذلاً ومهانة بين الخلق، أو أي شيء يرهقك معنويًا ويقهرك ماديًا، فقط.. تذكَّر ما فعلته مع الناس، وما قدمته يداك، وستعرف لماذا يحدث لك ذلك. إنها الأيام، والدنيا دوَّارة. سيعود إليك يومًا ما فعلته، سواء كان خيرًا أو شرًا، فأحسن صُنع ما تودُّ أن يعود إليك في الغد. واعلم -إن لم تكن تعلم- أنه لا فرح يدوم ولا حزن يستمر. واعلم -إن لم تكن تعلم- أن أفعالك سوف تزورك قريبًا فاستعد وجهِّز نفسك.
وأنت أيها المصدوم..مهما نالك من أذى، وأصابك من غدر من صهاينة الحياة، وهم كثير، فاصبر واحتسب وتوكل على الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبُه، إن الله بالغ أمره. إياك أن تواجه أذىً بأذى أو غدرًا بغدر وإلا صرتَ مثلهم، ولكن حسبك أن تُحصِّن نفسك من الأذى والغدر، فما أعجب تصاريف القدر. وإن وقعت في الفخ يومًا وغدوت فريسة لمُؤذٍ أو غادر على حين غفلة منك، فيكفيك يومئذ أن تستعيد حقك إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولا يغبْ عن ذاكرتك أبدًا قول الله تعالى: “وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين”.

زر الذهاب إلى الأعلى