مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: جارودي..والآخرون!

0:00

في الوقت الذي ينشط فيه مثقفون مصريون وعرب في الإساءة إلى لإسلام والطعن فيه تارة، أو في التسفيه من القضية الفلسطينية والانحياز للكيان الصهيوني والتعاطف معه تارة ثانية، نجد على الشاطيء الآخر من النهر أسماء غربية بارزة لم تنحنِ للعواصف، ولم تبحث عن مصالح ذاتية، ولم تؤجر ضمائرها، ولم تبع أنفسها، بل أصرت على كلمتها وموقفها، ولم تحد عنه حتى الموت، ولم تخشَ في الله لومة لائم، وكان من بين هؤلاء حديثو عهد بالإسلام مثل: الفيلسوف الفرنسي الكبير روجيه جاروي، الذي عاش بين عامي 1913-2012، واعتنق الإسلام العام 1982، ورحل عن 99 عامًا، وأثبت خلال أكثر من ثلاثين عامًا جسارة بالغة في الدفاع عن الدين الخاتم، وكشف عوار وقبح الكيان الصهيوني.
فى مطلع يوليو 1982.. شهد “جارودى” بأنه لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ووضع سِفرًا مُهمًا بعنوان: “الإسلام هو دين المستقبل”، شدد عبر سطوره على أن الإسلام أظهر شمولية كبرى في استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة. في هذا الكتاب..أفصح “جارودي” عن أسرار اعتناقه الإسلام، ومن بينها: شموليَّة الدين الحنيف، وقدرته على استيعاب أتباع الدِّيانات الأخرى والتَّفاعُل مع الشعوب غير المسلمة، منوهًا إلى أن الإسلام انفتح على هذه الدِّيانات وأتباعها وثقافاتهم، وأخذ من حضاراتهم وأعطاها، كما أنَّه – أي الإسلام – أظهر قدرةً مُدهشةً على إمكانيَّة التَّعايُش بين مختلف هذه الحضارات. وبحسب الفيلسوف الفرنسي، فإن هذا ما أعطى العرب والإسلام زخمًا كبيرًا في الانطلاق شرقًا وغربًا، والانتشار حتى في أماكن لم تدخلها دياناتٌ سماويَّةٌ من قبل. وفيما كان هذا صنيع “جارودي” قبل عدة عقود، فإننا نجد الآن منتسبين للإسلام أخذوا على عاتقهم تشويهه وتجريحه وغمزه ولمزه، والادَّعاء بأنه فقد صلاحيته، ولم يعد قادرًا على مسايرة الزمن وتعاقب السنين!
وفيما يتصل بموقفه من الكيان.. فإنَّ “جارودي” واجه الصهيونية بشراسة، خاصة بعد مجزرة “صابرا وشاتيلا” في لبنان عام 1982، حيث أصدر بيانًا شديد اللهجة ونشره فى صحيفة “لوموند” الفرنسية، وأظهر خلاله كراهية للعدوان الصهيوني الغاشم، ليشن عليه الإعلام الموالي لإسرائيل والصهيونية حملة شعواء، ويُظهره بأنه عنصري ومُعادٍ للسامية، وقاطعته صحف بلاده التى تصدِّر نفسها للعالم بأنها “موطن الحريات”، وأنكرت تاريخه العلمي والسياسي الحافل، ولم يشفع له أنه حارب مع المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، وأنه كان عضوًا في مجلس الشعب، وكان محبوبًا من وسائل الإعلام الفرنسية؛ بسبب أعماله الفلسفية وجرأته السياسية ومواقفه الجادة.
رغم الهجوم العاصف، فإن “جارودي” لم يَلِنْ أو يتهاون أو يهادن أو يتراجع عن مواقفه العدائية ضد الكيان الإسرائيلي، حتى أصدر كتابه الأشهر “الأساطير المؤسِسة للسياسة الإسرائيلية” فى العام 1995، وشكك من خلاله في الرواية الصهيونية للهولوكوست، فعوقب بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، وغرامة 120 ألف فرنك فرنسي، واتهمته المحكمة بالعنصرية وإنكار جرائم ضد الإنسانية. لم يتراجع الرجل مجددًا عن موقفه الصارم، بل أعلنها صراحة:”اليهودية ديانة أحترمُها، أمَّا الصهيونية فهي سياسية أحاربها”.
وفيما كان هذا هو موقف “جارودي” أمام الغطرسة الصهيونية..لا يزال يعيش بين ظهرانينا منتسبون إلى الإنسانية ظلمًا يداهنون الكيان ويختلقون له الذرائع والأسباب لإذلال الفلسطينيين واللبنانيين معًا، ويزدرون كل مقاوم شريف يموت دون وطنه وأرضه ودينه وعرضه، ويدنسون سيرته بالباطل. هؤلاء يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ ولذلك فإنهم سوف يبقون دائمًا وأبدًا أدنى من نعل حذاء، وإن ملأوا الفضاء كله بالأكاذيب والخرافات والادعاءات!

زر الذهاب إلى الأعلى