مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: أفول العقل العلماني المصري

0:00

يومًا وراء يوم..يُثبت العقل العلماني المصري أنه في مِحنة شديدة، ربما تقوده إلى موت سريري؛ تمهيدًا إلى تشييعه ومواراته الثرى غيرَ مأسوف عليه في القريب العاجل جدًا. أثبتت السنوات الخوالي أنَّ العقل العلماني المصري مصدر الفتن ومُشعل الحرائق ومثير الجدل وصانع الخراب وخالق الفوضى.. ولا شيء سوى ذلك. تفاقَمَ الأثرُ السيئُّ لتمكين العقل العلماني المصري إعلاميًا وفضائيًا وتركه كـ”الثور الهائج” يدهس وينطح كل من يقابله أو يعترض طريقه، حتى غدا ورمًا سرطانيًا ينتشر ويتمدد ويتوغل في المجتمع. اعتبر هذا العقلُ المريضُ نفسَه في حربٍ مفتوحةٍ مع كل ما يمثل الإسلام وينتسب إليه: دينًا وتراثًا وعلماء وشيوخًا، كما اتخذ مِن كل مَن ينافح عن الإسلام عدوًا خصمًا لدودًا. أدعياءُ العلمانية في مصر لا يعرفون شرف الخصومة ولا أدب الاختلاف. يمنحون أنفسهم حق التطاول والتجاوز والاجتراء والاجتزاء والافتراء على الآخرين، وفي الوقت ذاته..يرفضون المساس بهم وبآرائهم التي ليست -في الأساس- آراءهم!! إحدى هؤلاء العقلانيات تحرص دائمًا على تذييل منشوراتها المتجاوزة بحق الإسلام وعلمائه الثقات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بهذه العبارة الآسنة: ” أية تعليقات مخالفة لمحتوى البوست بلوك بلوك بلوك”!! إنه المنطق السقيم الذي يمنحك حقًا مفتوحًا في الابتذال الفكري واللفظي بحق أي شخص وأي شيء، في الوقت الذي تحرم فيه الآخرين من مجرد الاختلاف معك! يعاني العقل العلماني المصري من حالة متقدمة من النرجسية والطاووسية والإعجاب بالنفس والشيزوفرينيا، تستلزم إدخاله مصحَّة نفسية للتعافي.. ولن يتعافى؛ لأنه لو تطهر من أدرانه ونجاسته وسخافته وحماقته وسقمه وقبحه فسوف تنقطع عنه روافد الشهرة وموارد المال! يعاني المُنتسبون لهذا التيار الشيطاني من تطرف وغلو وخُيلاء وتشدد وتدنِ غير محدود. العقل العلماني المصري هو عقلٌ تابعٌ، وليس متبوعًا، تقليدي وليس مبدعًا، بليد وليس مُنتجًا. يستحيل أن تجد أحدهم يبدع مقالاً أو كتابًا إبداعًا شخصيًا ذاتيَا، ولكنهم كانوا ولا يزالون يقتاتون على منتجات الآخرين، لا سيما المستشرقين الكارهين للإسلام بالسليقة، ومَن تم استئجارُهم في عقود سابقة للطعن في دين الله الخاتم. يمكنك مراجعة برامج وكتابات مُدعِّي العلمانية في مصر؛ لتتأكد بنفسك.
القراءة الدقيقة والعاقلة والمُنصفة للمنتجات العلمانية المصرية بكل تنويعاتها: برامجَ ومقالاتٍ وكتبًا ومنشورات إلكترونية، تجعلها فى مرمى الاتهام والشبهة والريبة والاحتقار؛ لا سيما أنها لا تطرح جديدًا أو مختلفًا. هم ينتقدون ويسخرون ويستهزئون ويغمزون ويلمزون ويغتابون ويتنمرون ويكذبون ويبالغون في الكذب ويطلقون لأنفسهم “الحبل على الغارب”. يرون أنفسهم فوق النقد والتقييم والرد والتعقيب، ويعتبرون ذواتهم مُنقذين من الضلال، ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، هم لم يتحرَّوا رشدًا، ولن يتحروا، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا: إنما نحن مصلحون، إنما هم المفسدون ولكن لا يشعرون. موقفهم الأخير من اغتيال الباحثة المصرية المحجبة ريم حامد كشف عن عوار فكري وأخلاقي، وازدواجية وشيزوفرينيا وانحطاط لا شبيه له.
أفرغ العلمانيون الجدد العلمانية الحقيقية من جوهرها الجاد ومحتواها المُهم، ما بين اتخاذها مطيَّة لإحراز أهداف رخيصة، أو تحويلها إلى أيدلوجية ودين جديد يَجُبُّ أديانَ السماء، لا سيما الإسلام! لقد نجحت العلمانية غربًا؛ لأنَّ العلمانيين الغربيين لم يتعاملوا معها بشكل تجارى بحت ورخيص، وفشلت شرقًا؛ لأنَّ العلمانيين المصريين والعرب تعاملوا معها باعتبارها “دجاجة تبيض ذهبًا” فى جيوبهم وخزائنهم وحساباتهم البنكية. في الغرب.. لعبت العلمانية دورًا إيجابيًا في تسهيل انتقال أوروبا من العصر الوسيط إلى العصور الحديثة، وأسهمت إلى جانب العقلانية والمعرفة العلمية الوضعية الجديدة في تغيير الرؤية القديمة إلى العالم وفي نقل السياسة من السماء إلى الأرض، فأصبحت شأنًا إنسانيًا خالصًا. وفى الشرق، ومصر تحديدًا، تم توظيفها لزعزعة عقائد الناس، وتشتيت أفكارهم، وتحريضهم على الانحراف الديني والفكري والأخلاقي، بدعوى االتحرر وإعمال العقل! لم تعد إشكالية “العلمانية والدين” مطروحة في الغرب إلا بما تُحيل عليه في عالم السياسة، أي لم تعد مشكلة ولا حلاً ولا قضية خلافية؛ لأنَّ الواقع تجاوزها، لكنَّ حالها في مصر مختلف اختلافًا بيِّنًا؛ حيث لم يتمكن المُنتسبون إليها قسرًا وظلمًا وزورًا من إنجاز الحداثة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، واعتبر العلمانيون المصريون معركتهم الأصيلة مع الإسلام وحدَه من دون الأديان جميعها؛ ما جعلها في مرحلة أفول حقيقي؛ فنباحُ الكلاب ليس دليلاً على قوتها أبدًا، كما إنها لا تضرُّ السحاب مهما تعالتْ!

زر الذهاب إلى الأعلى