مقالات الرأى

محمود مطر يكتب : مكرم محمد أحمد

0:00

حين دعاني الصديق العزيز الأستاذ اشرف مفيد للكتابة في بوابة مصر الآن التي أثق أنها ستمثل إضافة قوية ومهمة إلى الصحافة الإلكترونية في مصر والعالم العربي بفصل الله وتوفيقه خطر على بالي وقفز إلى ذهني مباشرة اسم الراحل الكبير الأستاذ مكرم محمد احمد ليكون عنوانا لمقالي الاول بالموقع الصحفي الواعد الذي يتخذ المهنية وقواعدها ومبادئها طريقا للتحقق والنجاح والتأثير والحضور …ومكرم محمد احمد هو النموذج الأمثل للصحفي المهني ..وهو النموذج الذي يجب أن تستلهمه كل تجربة صحفية جديدة تسعى إلى أن تنجح وفق معايير المهنة الصحفية وكودها الأخلاقي ..كانت الصحافة بالنسبة لمكرم محمد احمد رسالة وأمانة ومسئولية قبل أن تكون وسيلة للقمة العيش ..كانت الصحافة بالنسبة له هي دور وطني واجتماعي حقيقي يتبنى هموم الناس وقضاياهم لا وسيلة للتربح والثراء وتكديس الأموال ..ولم يكن الرجل غنيا على المستوى المادي لكن غناه الحقيقي كان في أمانته ونزاهته وترفعه ..

أجريت مع الأستاذ مكرم عددا من الحوارات الصحفية لمجلة الإذاعة والتلفزيون ..مجلتي التي اعمل بها منذ ثلاثين عاما كان آخر هذه الحوارات عام 2015.. وكان محور الحوار هو أزمة الصحافة الورقية وساعتها شخص الرجل الأزمة تشخيصا دقيقا ووضع لها الحلول العملية بعيدا عن التنظير وكلام المكاتب لكن موقفا مهما بقي من هذا الحوار اتذكره دائما واترحم على هذا الراحل الكبير واقرا الفاتحة لروحه الطيبة ..حدد لي موعد اللقاء في شقته بمصر الجديدة وانا بطبيعتي كنت أحب أن أصل إلى المكان الذي يحدده لي من ساجري معه الحوار قبل الموعد بوقت كاف تحسبا لظروف الزحام في القاهرة وشوارعها وانطلقت من منطقة فيصل حيث أقيم إلى حي مصر الجديدة حيث يقيم الأستاذ مكرم وبعد أن اقتربت من حي روكسي وبت على مقربة من عنوانه فوجئت باتصال من الأستاذ مكرم على هاتفي المحمول يقول لي انت فين فأخبرته أنني قريب من روكسي فأجابني طيب انا في انتظارك .. وحين وصلت إلى شقته واستقبلني بترحاب وابوة كعادته ..بدأنا إجراء الحوار الصحفي الطويل الذي اقترب من الساعة ونصف الساعة تعرض فيه الأستاذ مكرم لكل قضايا مهنة الصحافة بكل دقة وبكل إحاطة والمام بظروف مهنتنا الصعبة وبكل حزن أيضا ..

لاحظت منذ بداية الحوار أن الإرهاق يبدو واضحا على وجهه ..وأنه يقوم من على مقعده ويقف بضع ثوان وهو مسترسل في حديثه ثم يجلس مرة أخرى وأدركت منذ بداية الحوار أن الرجل يشعر بتعب شديد فقلت له معاتبا يا أستاذنا تبدو متعبا ومرهقا فلماذا حين هاتفتني لم تقل لي لنؤجل الحوار حتى تستريح فأجابني رحمه الله إجابة لا تدل فقط على التزامه ومهنيته ولكن تدل أيضا على إنسانيته قال لي حين أتصلت بك كنت سأطلب منك تأجيل الحوار لو عرفت انك في بداية طريقك أو انك لم تبدأ مشوارك من فيصل إلى مصر الجديدة أما وقد عرفت انك بت قريبا من عنواني وقطعت شوطاً طويلا من الطريق فمن العيب أن اؤجل الحوار وان اردك مهما كنت متعبا ومريضا ..فقلت له لكنني لم اتي اليك من مدينة أخرى ..الطريق ليس بعيدا إلى هذا الحد فقال لي إجابة لا انساها .. الإلتزام بالموعد فضيلة وليس من الإنسانية أن أعتذر مهما اشتد علي المرض ..وبعد انتهاء الحوار حدثني الرجل عن مواقف كثيرة إنسانية ومهنية في تاريخه الطويل المشرف وقال لي في النهاية .. الصحافة هي عمري وحياتي ..وكل يوم أتحدث مع المسؤولين من أجل تحسين أحوال الصحفيين ..وكل امنيتي أن أرى المهنة تسير في طريقها الصحيح وتعبر عن الناس وقضاياهم وهمومهم ..رحم الله مكرم محمد احمد ..شيخ مهنة الصحافة ونموذجها الخلاق الذي يجب أن تستلهم كل تجربة صحفية جديدة مسيرته ومبادئه ومواقفه العظيمة

زر الذهاب إلى الأعلى