مقالات الرأى

محمود مطر يكتب: طه حسين ..وايزادورا

اثناء عمادته لكلية الآداب بجامعة فؤاد الاول ..القاهرة.. تعرف عميد الأدب العربي طه حسين ..على الدكتور سامي جبرة الذي يمكن اعتباره واحدا من أهم عمداء علم المصريات ومن أهم علماء الآثار في مصر ..وقدم طه حسين الدعم الكامل لسامي جبرة حينما تولى مسئولية بعثة جامعة فؤاد الاول للتنقيب عن الآثار في واحدة من أهم المناطق الأثرية بمصر وهي منطقة تونة الجبل بالمنيا .. وهناك وبعد عدد من الاكتشافات الأثرية المذهلة دعا سامي جبرة صديقه الدكتور طه حسين لزيارة المنطقة الأثرية بتونة الجبل ..وأعجبت المنطقة وجوها وسحرها طه حسين فقرر بناء استراحة له بجوار الآثار المكتشفة ..ما زالت قائمة حتى وقتنا الحالي ومعروفة بنفس الاسم .. إستراحة طه حسين ..وفي شتاء كل عام كان طه حسين يختفي من القاهرة واضوائها ومحافلها الأدبية والثقافية لمدة ثلاثة أشهر كاملة ترافقه زوجته سوزان ليقيم أشهر الشتاء في استراحته بتونة الجبل ..يعيش في جو مشمس رائع بعيدا عن الصخب والضجيج يبدع ويكتب ..وفي هذه الاستراحة كتب طه حسين رائعته دعاء الكروان .. وقد لا يعرف الكثيرون أن عميد الأدب العربي استقبل الإلهام وهو يكتب دعاء الكروان من جارته في المنطقة الأثرية بتونة الجبل .. الفتاة المصرية القديمة ايزادورا .. فعلى بعد أمتار من إستراحة طه حسين تقع مقبرة ايزادورا ..التي أطلق عليها عميد الأدب العربي لقب اول شهيدة حب في التاريخ ..وكانت تعيش في القرن الثاني قبل الميلاد ..وهي ابنة حاكم إقليم انتو بوليس ..قرية الشيخ عبادة بالمنيا حاليا.. أحبت وهي في ريعان صباها وجمالها جنديا مصريا فقيرا كان يعمل في حراسة والدها اسمه حابي
واصطدمت قصة الحب منذ البداية بمعارضة الوالد الذي منع. ابنته من مقابلة حبيبها على شاطئ النيل ..لكنه رغم الرقابة المشددة لم يستطع أن يحبس قصة الحب ..فقد استطاعت الفتاة التخلص من رقابة والدها وذهبت لمقابلة حبيبها .. وركبت قاربا قادته بمفردها في النيل لمقابلة حبيبها الجندي الفقير على الشاطئ المقابل ..وتعرض القارب لريح مفاجئة انقلب على إثرها في النهر وغرقت ايزادورا وبحث عنها والدها بعد شعوره بالندم الشديد ..ووجدها غارقة فبنى لها مقبرة كبيرة تشبه المعبد في مقابر الإقليم بمنطقة تونة الجبل إلى الغرب من نهر النيل وحنط جسدها ووضعه في تابوت .. وقد كتب قصتها الحزينة على جدران مقبرتها ..ولا زال جسدها المحنط موجودا بكامل هيئته في منطقة تونة الجبل مزارا سياحياً فريدا ..وفي أثناء إقامته الشتوية من كل عام كان طه حسين يزور مقبرة ايزادورا يوميا قبل الغروب بنصف ساعة ..يشعل شمعة المسرجة القديمة التي وضعها والد ايزادورا بجوار جسدها المسجى ..ويجلس متأملا حتى يحين اذان المغرب فيعود إلى استراحته ..وهو الذي كان بارعا في قراءة اللغة الهيروغليفية ذات الحروف البارزة بيده ..يمرر يده على الجدران فيقرأ ما كتبه أجدادنا القدماء بكل براعة .. وهو ..طه حسين ..من أطلق على ايزادورا اللقب الذي ظل يلازمها حتى الآن اول شهيدة حب في التاريخ ..رحم الله الجميع

زر الذهاب إلى الأعلى