محمود سامح همام: العلاقات المصرية النيجيرية تاريخ من الصداقة والتعاون
في عهد الرئيس المصري جمال عبدالناصر كانت القارة الافريقية تستحوذ على أهمية مركزية لدى مصر، حيث كانت الدائرة الافريقية ومازالت احدى اهم المحددات الرئيسية للسياسة الخارجية المصرية بعد الدائرة العربية والاسلامية، وكانت القاهرة تدعم الدول الافريقية لحركات التحرر من الاستعمار استكمالاً لتحريرها يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢، حيث تعد افريقيا عمقاً استراتيجياً لمصر، بالإضافة انها احد الاعمدة الرئيسية في دول العالم الثالث والتمثيل الدبلوماسي ودول عدم الانحياز آنذاك.
وعلى غرار قيادة مصر لتحرير الشعوب الافريقية من الاستعمار، كانت العلاقات بين مصر ونيجيريا طفيفة يسودها الود والاستقرار، حيث كانت قبل استقلال نيجيريا مرتبطة بمسارات الحج وطلب العلم، وبعد الاستقلال النيجيري من الاستعمار البريطاني تطورت العلاقات، حيث أرسلت القاهرة بعثة شرف وصداقة لنيجيريا بقيادة ” كمال السيد ” لحضور الاحتفالات التي أقيمت في لاجوس بمناسبة تنصيب الرئيس ” بنجامين نامدي أزيكيوي ” حاكما عاماً لنيجيريا،
استكمالاً، وعلى غرار الخلفية التاريخية للعلاقات المصرية النيجيرية، حين اصابت لعنة الحروب الاهلية والانقلابات دولة نيجيريا، حيث اعلن الكولونيل أجوكو الحاكم العسكري لإقليم شرق نيجيريا الاستقلال بالاقليم باسم جمهورية بيافرا، علاوة على ذلك احتكاره لشركات البترول لصالح حكومته الجديدة واستيلاءه على مجموعة طائرات من مرتزقة أوروبية، وحينها لبت الدولة المصرية نداء الاستغاثة من حكومة لاجوس التي كانت في حاجة الى طيارين لقيادة طائرات الاتحاد السوفيتي الميج (١٧)، وبالفعل أرسلت مصر طيارين مصريين واستطاعو القضاء على الحرب الاهلية والحركة الانفصالية لاجوكو وتدمير جميع مواقعهم.
وعلى الجانب الأخر، وتبلور الموقف النيجيري الداعم لمصر في حرب السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣م حين قطعت لاجوس العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني، تضامنا مع مصر في حربها لتحرير الأراضي المصرية من قبضة الاحتلال، وكان ذلك تعبيراً عن الرفض القاطع والحاسم للاحتلال الصهيوني ودليلاً على التعاون المصري النيجيري.
ومن الجانب الاقتصادي، يمكننا تسليط الضوء على حجم الاستثمارات المصرية في دولة نيجيريا الذي يصل الى مليار دولار في مجالات عدة كالصناعة والطاقة والمقاولات، بالإضافة إلى حجم التبادل التجاري بين الدولتين الذي يبلغ نحو ١٤٥ مليون دولار وفقاً لتصريحات وزيرة التجارة والصناعة المصري لعام ٢٠٢٢م.
استكمالاً، وبتناول المحور الثقافي والتعليمي في العلاقات بين الدولتين، حيث بدأت منذ توقيع الاتفاق الثقافي في القاهرة عام ١٩٧٤م لتعزيز العلاقات الثقافية، وعلى أثر ذلك تم ارسال العديد من الرموز التعليمية والازهرية المصرية الى نيجيريا للتدريس فالجامعات والمصارح العلمية بها، بالإضافة الى ارسال نيجيريا بعثات من الطلاب سنوياً للالتحاق بالجامعات المصرية، وعلاوة على ذلك وجود المنصة التعليمية لجامعة عين شمس فنيجيريا بهدف الشراكة في المجال البحثي بين مصر ونيجيريا، وتتعاون حاليا مع مركز ” احمد بيلو ” النيجيري.
في الختام، تعد العلاقات المصرية النيجيرية نموذجًا رائدًا للتعاون والصداقة بين الدول الإفريقية. فقد تميزت هذه العلاقات بتاريخ طويل من التفاعل الإيجابي والبناء في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. إن الروابط الوثيقة بين البلدين ليست مجرد صفحات من التاريخ، بل هي حجر الزاوية لمستقبل مشترك يهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة والاستقرار في القارة الإفريقية. ومع استمرار تبادل الخبرات وتعزيز الشراكات، يمكننا أن نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا وأملاً لعلاقات قوية ومتينة بين مصر ونيجيريا، تعود بالنفع على شعبيهما وتسهم في تعزيز وحدة وتقدم إفريقيا ككل.