مقالات الرأى

محمود حسونة يكتب : تاريخ من التآمر

هل يمكن أن يقضي الإنسان حياته كاملة متآمراً متربصاً انتهازياً منتظراً فرصة للانقضاض على من حوله؟!

نعم.. يمكن، وأمكن بالفعل، وبيننا فصيل سخّر حياته للتآمر، تآمر على أهله وناسه، وتآمر على وطنه، متربصاً منتظراً اللحظة المناسبة للانقضاض على وطنه، بعد أن اعتبره فريسة يسعى لالتهامها، وبعد أن عجز عن ذلك، ازداد عدوانية وشراسة ولم يترك وسيلة إلا واستخدمها لإسقاطه وإشعال الفتنة فيه وإحراقه بكل من فيه، وأولهم أهله وذووه.

جماعة الإخوان الإرهابية منذ تأسيسها قبل ما يقرب من مئة عام على يد حسن البنا وحتى اليوم، وهي تعيش في حالة تآمر على مصر، وعلى كل وطن وصلت إليه، خدعت الجميع، وتسللت إلى العامة باسم الدعوة، ولم يكن الدين أبداً هدفاً لها، ولكنه كان ومازال وسيظل وسيلتها لتخدير الشعوب وامتطاء الدول.

بدأت أداة في يد المحتل، ونالت منه الدعم المادي والمعنوي حتى انتشرت وتوغلت في ربوع مصر، وتجاوزت الحدود إلى الدول العربية ثم إلى خارجها، كانت أداة ضغط يستخدمها المستعمرون ضد أنظمة الحكم، وبعد جلاء الاستعمار وضعت عينها على الأوطان، كانت البداية من مصر التي سعت لالتهامها والسطو عليها، مستخدمة كل أساليب التآمر والخداع، حتى حققت «الحلم» في مصر وغيرها، بعد انتفاضة 25 يناير 2011، ولكنه الحلم الذي أصبح كابوساً عليها وعلى الشعوب. كابوس على الجماعة الإرهابية، بعد أن كشف عجزها عن إدارة قرية وليس دولة، وفشلها الذي راكم المشاكل والهموم على الناس. وكابوس على الناس بعد أن أشاعت الفتن بين أبناء الشعب وأبناء الأسرة الواحدة، وأسالت دماءً بريئةً في الشوارع، وكادت تُشعل حرباً أهلية، وقتلت الأمل في غدٍ أفضل عند الأجيال الجديدة.

سقط أهل الشر بفعل ثورة شعب في 30 يونيو 2013، رفض الرضوخ لإرادتهم، بعد أن اكتشف حقيقتهم وزيفهم وضلالهم، ثار عليهم حتى وضع نهاية لعام حالك السواد في تاريخ مصر المعاصرة، وامتدت يد العدالة لتحاكم من طالته الدولة منهم، وفرَّ منهم الكثيرون إلى الخارج، وبقيت عناصر نائمة لا تزال تخدع الدولة والشعب.

خاضت مصر أشرف معاركها ضد الإرهاب المتنقل على أرضها، ونجحت في مطاردة فلوله واستعادة أمنها وأمان شعبها، ورغم ذلك لم تَعِ عناصر الشر، سواء في الخارج أو الداخل، الدرس، وواصلت التآمر والتربص، ودعت من خلال دمى مواقع التواصل الاجتماعي مئات المرات للتظاهر، ولكنها الدعوات التي اتخذ منها الشعب مادة للسخرية والاستهزاء بالدمى التي تطلقها وبعض الذباب الذي يقوم ب«تشييرها»، وهو لا يدرك عواقب أفعاله، فكان الفشل مصيرها ولم يَجْنِ مطلقوها ومرددوها سوى المزيد من الغضب الشعبي.

المتآمرون على مصر مثل «الأفاعي تحت التبن»، يختبئون، أحياناً بعض الوقت، وعندما يجدون فرصة يظهرون لتسميم المجتمع، وهم لا يدركون أن سمومهم لم يعد لها مفعول، وأن الشعب أصبح محصناً منها. كان ارتفاع الأسعار الذي يضرب العالم نتيجة الحرب في أوكرانيا، وارتفاع نسب التضخم الذي تعانيه الدول الكبرى، فرصتهم لرفع أصوات التشكيك في الإنجازات، وتنظيم حملات الاستهداف الإعلامي والإلكتروني، ووجدوا أن انعقاد المؤتمر العالمي للمناخ «كوب 27» في شرم الشيخ هو التوقيت الأنسب للدعوة إلى التظاهر وإحياء زمن الفوضى في مصر، وهم لا يدركون أن الشعب الذي اكتوى بنار 2011، والذي يعي جيداً تجارب الدول المحيطة التي مازالت ساقطة في مستنقع الفوضى، هو الذي سيتصدى لهم هذه المرة، وكل ما يدعون إليه ليس سوى أضغاث أحلام، وكل ما يقولونه على مواقع التواصل وعلى قنوات الخيانة التلفزيونية ليست سوى أكاذيب.

صحيح أن نار الغلاء تكوي الجميع في مصر والعالم كله، ولكنها النار التي ستُطفَأ عاجلاً أم آجلاً، أما نار الفتنة عندما تشتعل في بلد كبير، فلن تُطفأ إلا بعد أن يتحقق السقوط الكامل، وهو ما سيحصد معه حياة الملايين.

المؤامرة ازدادت وضوحاً بعد أن حذرت أمريكا رعاياها في مصر وكأنها تمهد الأرض لفوضى الإرهاب، وكأنها أيضاً لم تستوعب أن مصر عصية على السقوط، وأن إدارتها واثقة الخطى، وتتخذ أصعب القرارات الاقتصادية، وتحرر الجنيه قبل الموعد المحدد للتظاهر بأيام، لأنها تدرك أن الشعب المصري لن يقبل لأيٍّ كان العبث بأمنه واستقراره، وأنه بتاريخه وتحضره قادر على التصدي للمتآمرين.

[email protected]

نقلا عن صحيفة الخليج – الإمارات

زر الذهاب إلى الأعلى