مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب : مسرحية الشعراوي وفوضى الاختلاف

كشفت مسرحية الشعراوي عن أزمة كبيرة يعاني منها المجتمع المصري. حتى وإن كانت هذه الأزمة تمثل النار المشتعلة تحت الرماد. نار الوصاية ورماد فوضى الاختلاف إلا أن حدة الخلاف التي صاحبت مشروع تناول حياة الشيخ الشعراوي في عمل فني على مستوى المثقفين أو ما يسمى بالنخبة وصمت قيادات وزارة الثقافة وتعاملها مع الأزمة بسلبية وضعف وإشراك الرأي العام كأحد أطراف الأزمة والذي بدوره أخذ يتابع الحرب الكلامية التي اشتعلت على الفضائيات ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي هذه الحرب التي انقسم الناس فيها إلى ثلاث فرق فريق نصب نفسه وصيا وحارسا على حرية الإبداع والثقافة وجعلوا من أنفسهم حماة التنوير والمدافعين عنه وفريق أخر تبارى في الدفاع عن الشيخ والهجوم على الفريق الأول وأخذوا يعددون كرامات ومأثر الشيخ وفريق ثالث ترك الحرب المشتعلة بين الفريقين يأسا وهروبا من الاشتراك في هذه الحرب والتي تعد من وجهة نظره ترفيها لا يعنيه ولا يشغله في ظل حروب الدولار والأسعار وهذه الحالة الخلافية الحادة والقاسية التي اشتعلت على مشروع عمل فني تتفق معه أو تختلف قد كشفت أن البنية التحتية الثقافية والفنية والدينية للمجتمع المصري خربة وأيلة للسقوط إذا لم تكن قد سقطت بالفعل . كشف تناول الأزمة بهذا الشكل العنيف أن هناك دورا ومساحة في المجتمع انسحبت منها مؤسسات الدولة الثقافية والفنية وتركتها فارغة يشغلها كل من يريد أن يصنع أزمة أو يصدرها للمجتمع إذ لو كانت وزارة الثقافة تملك رؤية استراتيجية ثقافية محددة وواضحة تحقق أهداف الدولة ومبنية على أسس علمية وفنية للوصول بحالة الثقافة والوعي في المجتمع إلى حالات من الرقي وتقبل الأراء الأخرى بأريحية وسعة أفق وتفكير ومحاولة ردها وتفنيدها بأسلوب هادئ يعكس الحالة المجتمعية التي تسود في المجتمع من تعدد الرؤى واستيعاب ثقافة الاختلاف لما وصلنا إلى هذا الخلاف العنيف هذه المساحات الهشة والضعيفة والمتهالكة في البنية الثقافية والفنية والدينية جعلت كل من يمتلك صوتا عاليا ينصب نفسه وصيا على المجتمع ويحاول أن يفرض رأيه على الطرف الأخر هذه الأزمة جعلت البعض يتصور أنه يمتلك صكوك الغفران والبعض الأخر يمتلك مشاعل التنوير والكارثة في هذه الأزمة أنها كشفت عن نوع من الإرهاب الفكري مارسه من يقدمون أنفسهم على أنهم أوصياء على المجتمع وحراس لعقيدة التنوير والانفتاح وشر الإرهاب ما يضحك في أحد الحوارات الفضائية حينما سأل المذيع أحد فرسان التنوير هل قرأت العمل الفني وكونت عنه فكرة كاملة أجاب بأنه لم يقرأ العمل الفني ولم يقترب منه ولكن مجرد الاسم وطرح الفكرة دفعه إلى شن هذا الهجوم الحاد على تبني وزارة الثقافة لتقيم العمل الفني عن الشيخ الشعراوي . فوضى خلافية هائلة لا تستند على أرض قوية صلبة وحالة من السيولة والتشتت في كل الاتجاهات يمارسها كل من يرى في نفسه فارسا وحاميا لثقافة أو رأي أو إبداع أو حتى مدافعا عن رجالات الدين خاصة مع دخول الأزهر الشريف في الأزمة وذلك عبر صفحته الرسمية ذاكرا فضائل الشيخ وهذا ما يدفعنا إلى التنبيه إلى ضرورة الالتفات إلى أن مناعة المجتمع المصري في تقبله للأخر قد أصبحت ضعيفة متهالكة وهو ما يدفعها إلى استثارة كل خلاياها للدفاع عن نفسها عند مواجهتها لفكر أو رأي مختلف عنها ومع انسحاب المؤسسات الثقافية الرسمية عن أداء دورها والدفاع عن مشروعاتها الفنية وسياساتها الهادفة جعلت الكثيرين يقومون بهذا الدور نيابة عنها وعن مؤسساتها الفنية وهو ما ظهر في تراجع وزارة الثقافة عن العرض المسرحي ومع كل هذا الصخب وهذا الاختلاف على مجرد مشروع فني والذي مارسه البعض وهذا العنف المتبادل بين أطراف الأزمة يدفعنا إلى المطالبة بضرورة تبني الدولة لمشروع ثقافي وفني مبني على رؤية واضحة تتوافق مع استراتيجيات السياسة العامة للدولة ومشروع الجمهورية الجديدة والذي بدوره يجب أن يسعى إلى إعادة بناء وتشكيل البنية التحتية المصرية الثقافية والفنية والدينية مشروع حضاري تشترك فيه كل مؤسسات ووزارات وهيئات الدولة يرفع من حالة المناعة الفكرية والثقافية والدينية في المجتمع ويهدف إلى تقديم حالة من الرقي في الطرح والتناول والاختلاف

زر الذهاب إلى الأعلى