مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب : لماذا يريدون إفشال مصر 4 -6

 أنشأ الرئيس الراحل أنور السادات الحزب الوطني الديمقراطي عام 1978 وذلك بعد حل الاتحاد الاشتراكي العربي وتولى الرئيس السادات رئاسة الحزب حتى وفاته في عام 1981 وبعد ذلك انتقلت رئاسة الحزب إلى الرئيس الراحل حسني مبارك وبعد مرور سنوات من حكمه تمت إعادة هيكلة الحزب والسيطرة عليه وتوجيهه بسياسات خاصة تخدم الاتجاه الحاكم في ذلك الوقت وتسير في اتجاهات حكم شديدة الخصوصية حتى وصلت بهم الطموحات والتطلعات إلى التوريث كما مضت هذه السياسات والممارسات في طريق تحقيق السيطرة التامة لرجال وقيادات الحزب على مفاصل الدولة وخاصة المؤسسات والوزارات والهيئات الحكومية وذلك على اعتبار أن كل من يعمل في هذه الأماكن هو بالضرورة عضو في الحزب الوطني الديمقراطي وخاصة عند اختيار القيادات وكبار الموظفين وأصبح أمين الحزب في المحافظة هو الحاكم بأمره وبأمر الحزب في محافظته وأذكر هنا محمد عبد المحسن صالح أمين عام الحزب الوطني في محافظة أسيوط وهو يصول ويجول في المحافظة من خلال أمانته للحزب الوطني وتتفق أو تختلف معه إلا أنه كان عقلية سياسية وحزبية متمرسة وذكية وكان يعرف أدق تفاصيل ومكونات العائلات في القرى والأرياف كما كان له ثقل سياسي معروف وحينما كنت تذهب إلى مقر الحزب الوطني في أسيوط ترى كبار العائلات والشخصيات ورجال الأعمال وهم يجلسون مع أمين عام الحزب الوطني في أسيوط في ذلك الوقت وهم يتقربون إليه ويقدمون له فروض الولاء والطاعة وسارت هذه السياسة الجديدة في كل المجالات تقريبا وهي سياسة فرض الأمر السياسي والحزبي الواقع وتجلت هذه الفترة تحديدا في سيطرة جمال مبارك أمين لجنة السياسات في الحزب ومجموعته ومعه أمين التنظيم أحمد عز والذي كانت له الكلمة العليا والسيطرة التامة في توجيه سياسات وأدوات الحزب في خدمة أهدافهم السياسية ومصالحهم الاقتصادية وتكونت من خلال سيطرة الحزب الوطني على مختلف جوانب الحياة في مصر في هذا الوقت ما يشبه اللوبيات المسيطرة والمتحكمة في كل هذه المجالات وخاصة في مجال السياسة والمال والأعمال والاقتصاد والذي وصل الحال بهم في هذا الوقت إلى ما يشبه الاحتكار السياسي والحزبي في مصر وبمثل ما سار عليه مفهوم الاحتكار الحزبي والسياسي سار هذا المفهوم أيضا في مجال المال والأعمال والاقتصاد وتكونت من خلال هذه المنظومة الشاملة والمترابطة شبكة كبيرة مترامية الأطراف واسعة النفوذ متعددة العلاقات كثيرة الأعمال مالكة للكثير من الشركات والتوكيلات فاحشة الثراء وكان ما يميز رجال هذه المرحلة وهذه المجموعة أنهم يرتبطون فيما بينهم وبين قادتهم ومن صنعوهم وأوجدوهم على رأس هذه المجالات المتعددة بالوفاء المطلق والخضوع التام والطاعة العمياء فيما يشبه المعادلات الفيزيائية المعقدة والمبتكرة والجديدة في مجال المال والسياسة والاقتصاد والعمل العام واستمر الحال على هذه النحو وبهذه التركيبة وهذه المعادلة في الحكم والسياسة والمال والاقتصاد حتى قامت ثورة يناير 2011 وشاهد الجميع كيف ثارت جموع الشعب المصري وذهبت إلى مقر الحزب الوطني في القاهرة وأضرمت فيه النيران حتى صدر حكم المحكمة الإدارية العليا في 16 إبريل 2011 بحل الحزب الوطني الديمقراطي نهائيا وانتهت منذ ذلك الوقت وهذا التاريخ لافتة الحزب الوطني الديمقراطي واستبشر الناس خيرا بانتهاء هذه المرحلة السلبية من تاريخ الحياة السياسية في مصر مرحلة الحزب الوطني الديمقراطي وبكل ما فيها من ممارسات سياسية فاسدة كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى ثورة 25 يناير 2011 ولكن الأفكار لا تموت ووفاء الرجال لقادتهم ومن صنعوهم لا ينتهي وشبكات العلاقات والمصالح والنفوذ من المستحيل القضاء عليها في فترة وجيزة والثروات الضخمة والسيطرة على موارد المال والاقتصاد والأعمال تحتاج إلى قوة تحميها وتحتاج إلى عباءة سياسية تلتحف بها من برد الأزمات والتغييرات المستقبلية المفاجئة والتي من الممكن أن تهدد هذه الامبراطوريات الضخمة والمترامية الأطراف .

وانتظر الجميع توجهات جديدة في شكل الحياة السياسية والحزبية في مصر حتى تفسح المجال للجميع في ممارسات سياسية وحزبية صحيحة وصحية وعادلة تثري الحياة السياسية والحزبية في البلاد وتفسح المجال للجميع في أداء دورهم السياسي والحزبي في خدمة البلاد والتعبير عن مختلف الأراء والتوجهات وتسمح بتكوين كوادر حزبية شابة وجديدة بفكر ووعي جديد مكتمل وناضج وبعيد كل البعد عن المؤثرات والمغريات والتوجيهات وتفصل تماما بين الانتماء الحزبي والعمل الحكومي والعام وتغير تماما من واجهة وفكرة وعقيدة الحزب الوطني وبدون أن يكون هذا الحزب الواحد هو المسيطر التام على تفاصيل الحياة السياسية والحزبية والمتحكم في كل روافدها والأهم من كل ذلك هو الفصل التام بين الشكل الحزبي والممارسة السياسية والدور السياسي وبين الارتباط بالقيادة السياسية في البلاد بشكل مباشر أو غير مباشر .

وإذا حاولنا أن نرصد المشهد السياسي والحزبي الحالي وخاصة فيما يتعلق بالحملات الحزبية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية نجد سيطرة حزبية تامة من أحد الأحزاب السياسية المتربعة على قمة الهرم السياسي والحزبي في مصر والتي تحاول أن تقدم نفسها للرأي العام على أنها واجهة رئيس الدولة أو المرشح الرئاسي الأبرز في الانتخابات الرئاسية القادمة وكانت هذه الممارسات من حشد الجماهير وكبار الموظفين والقيادات والعاملين في الحكومة والعمل العام في مؤتمرات تأييد ومبايعة ولافتات تملأ الكثير من الشوارع والأماكن العامة وكأن الأفكار لا تنتهي والعقائد لا تموت وليس هناك اعتراض على هذا الشكل إذا كانت الفرصة عادلة ومتوازية بين كل الأحزاب السياسية في مصر وفيما يشبه إعطاء الفرصة للجميع في التأييد أو الرفض والتعبير عن نفسه وممارساته الحزبية المختلفة ولكن أن تعود سيطرة الحزب الواحد برجاله ونفوذه وأفكاره على الحياة السياسية في مصر وفيما يعيد مفهوم الاحتكار الحزبي والسياسي  إلى الحياة مرة أخرى في الوقت الذي تغيرت فيه أفكار الشباب وتبدلت لديهم المفاهيم السياسية والعامة في مصر والعالم وأصبحت تطلعات الشباب والرأي العام مختلفة كل الاختلاف عن الماضي وأصبح الجميع يتطلع إلى حياة سياسية جديدة ومختلفة كل الاختلاف عن السنوات الماضية وإلى ممارسات سياسية جديدة تعطي الحق للجميع في التعبير عن أرأئه وأفكاره في مخاطبة الجماهير والمشاركة في تشكيل الحياة السياسية والحزبية والعامة في مصر بشكل فاعل ومؤثر وعلى أساس أن ما كان يصلح في الماضي لا يصلح في العصر الحالي لأنه عصر جديد بفكر جديد وتطلعات جديدة ورؤية مستقبلية مختلفة وشباب صاعد وواعد لديهم أفكارهم وقناعاتهم الخاصة ولغتهم الجديدة والتي يجب أن يبحث عنها وعن مفرداتها قادة الحياة السياسية والحزبية في مصر مع ضرورة الاجتهاد والبحث عن صيغة سياسية وحزبية جديدة تناسب العهد الجديد في الحكم وتوائم بين تطلعات وأفكار الشباب والرأي العام الجديدة والمتطلعة والمتدفقة والمنفتحة على ثقافات العالم والقارئة والراصدة والمحللة والمشاهدة لكل التجارب السياسية والحزبية والعامة في كل دول العالم والمملؤة بالأمل في حياة وممارسات سياسية وحزبية تواكب أحلامهم وتطلعاتهم ومستقبلهم والتي يجب أن يواكبها أيضا ممارسات سياسية وحزبية مبتكرة وجديدة تسبق تطلعات وأفكار وأحلام أجيال الشباب والراي العام في مصر ولكن أن يكون هناك إصرار شديد على استحضار الماضي وبكل تفاصيله ورجاله وممارساته السياسية العتيقة والبالية والتي عفى عليها الزمن والمرتبطة والداعمة لها فنحن هنا ندور في حلقة مفرغة فما كان يصلح في الماضي لا يصلح في الحاضر أو المستقبل وأصحاب الأفكار القديمة والماضية ينظرون تحت أقدامهم وكأنهم يصرون على تحدي الزمن والوقوف في وجه التغيير مع أن كل الشواهد الماضية والحاضرة والمستقبلية توجب على الجميع تغيير المعادلة وإيجاد معادلة وصيغة جديدة تناسب العصر وتلائم الظروف الداخلية والخارجية وتساعد على الاستمرارية في وقت الاختيار

زر الذهاب إلى الأعلى