مقالات الرأى

محمد فؤاد يكتب : القناعة والرضا .. سر السعادة

عندما نتحدث عن السعادة والرضا نتذكر زمان وأهل زمان اجدادنا ووالدينا رحم الله اموتانا جميعا عندما كانوا يحمدون الله على نعمة القليل فالقناعة تجعل القليل كثير ببركة ربنا ونعمة الرضا وشكر الله يجعل البركة تكثره تصديقاً لقول الله عز وجل (لئن شكرتم لاذيدنكم ولئن كفرتم لعذابى شديد) . القناعة والرضا هما دليل شكر الإنسان لربه على عطائه واعتراف بفضل الله على الإنسان من نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها .. فالقناعة هي الرضا بما قسم الله لنا ولو كان قليلاً، وعدم التطلع إلى ما في أيدى الآخرين، وهي صفة كريمة تعبر عن عزة النفس وشرف الوجدان، وكرم الأخلاق، ولو قنع النا س جميعاً لما بقي بينهم فقير ولا محروم . ولو رضي العبد بما قسم له لاستغنى عن الناس وكان أغنى الناس وكف عن ملاحقتهم وسؤالهم. القناعة خلق من اخلاق النبى صلى الله عليه وسلم حيث أن النبى كان متصفا بالقناعة في حياته، يرضى بما عنده، ولا يسأل أحداً شيئاً، ولا يتطلع إلى ما عند غيره، ووجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التحلي بهذه الخصلة الحميدة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ (الترمذي)، فمن قنع بما رزقه الله، فهو من أغنى الأغنياء، وإنما صار أقنع الناس لأن حقيقة الغنى هي عدم الحاجة إلى الناس، والقانع راض ومكتف بما رزقه الله، لا يحتاج ولا يسأل سوى الله تعالى، وصدق رسول الله حين قال: لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ (البخاري). والمشكلة الرئيسية هي أن كثرة الحرص يجعل الإنسان يرى دائماً أن ما ليس في يديه هو أفضل مما في يديه، فإذا أراد الزوجان أن يعيشا سعيدين فليقنع كل منهم بزوجه، فعلى الرجل أن يقنع بزوجته كما هي بسلبياتها وإيجابياتها، فليس هناك امرأة كاملة. فإن كان حصل على ذات جمال فهناك من هي أجمل منها، وإن كان حصل على ذات خلق فهناك من هي أحسن منها أخلاقاً، وعلى المرأة كذلك أن تقنع بزوجها، فليس هناك امرأة كاملة وليس هناك رجل كامل. والقناعة لا تتناقض مع التوكل والأخذ بالأسباب والرغبة في الزيادة من الخير وفق شرع الله وآدابه وأحكامه، ومن الخطأ أن تفسر القناعة بالركون إلى التقاعس عن العمل وترك الأخذ بالأسباب والتمني على الله الأماني، فالقناعة أخذ بالأسباب والحزم في العمل والتعلق بالله طلبا للعون والتوفيق. والمسلم يقنع بما قسم الله له فيما يتعلق بالدنيا، أما في عمل الخير والأعمال الصالحة فإنه يحرص دائما على المزيد من الخيرات مصداقاً لقوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) “البقرة، 197). ويقول الله عز وجل فى حديثه القدسى يا أبن ادم إن رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وعقلك وبدنك وكنت عندى محمودا . وان لم ترضى بما قسمته لك فوعزتى وجلالى لا اسلطن عليك الدنيا تركض فيها كركض الوحوش فى البرية ولا تنال منها إلا ما قسمته لك وكنت عندى مذموما .صدق الله العظيم. اما الرضا فهو من أعظم النِّعَم في حياتنا، وهو مرتبةٌ عاليةٌ تُضفي على النفس هدُوءًا وطُمَأْنينةً، وتُكسِب صاحبَها التوازنَ النفسيَّ، وتبعث في جوانحه السعادة، وتُعطي الحياةَ معنًى يبعث على النشاط، ويُحفِّز على العمل. وكلما زاد مستوى الرضا لدى الإنسان، انخفضَتْ مستويات القَلَق والتوتُّر، وخفَّت آثارُ الضغوط اليومية على أعصابه؛ مما يُساعده على الحفاظ على صحَّته النفسيَّة والجسديَّة. وحين يمتلك الإنسان الرضا، فإنه يحوز كنزًا عظيمًا، يجعله يحتفي بما يملكه وما يستطيعه هو؛ لا ما يمتلكه الآخرون، وما قدره الله سبحانه له؛ وليس ما يريده هو، وحينها يصل الإنسان إلى درجة كبرى من التصالح مع نفسه، والتوافُق مع القدر ومع كل ما حولَه، وجميع ما يمرُّ به من أحداث. وإذا فقد الإنسان الرِّضا، فلا تسَلْ عن حاله من همٍّ ونكَدٍ وفَقْد لملذَّات الحياة مهما كان مقدار ما يمتلكه، وسِرُّ الرِّضا هو الاقتناعُ أن الحياة هِبةٌ وليستْ حقًّا. وأن يكون على قناعة تامَّة بأن غيره ليس بأفضل منه، وألَّا يُقارن نفسَه بأحد، ويعلم أن كل شخص يمتلك أشياء تُناسبه، وكل واحد لديه إمكانات ومواهب يفتقدها كثيرون، وأنه مسئول في الدنيا وفي الآخرة عمَّا يملكه هو؛ لا ما يملكه الآخرون، وأن يعلم تمام العلم، ويتيقَّن أن الحياة الدنيا ممرٌّ ومعبرٌ، وأنها دارُ اختبارٍ وابتلاء يجري عليها أمرُ الله ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]. ومن هنا ينطلق الإنسان ليعلم أن الرِّضا نِعْمةٌ ومِنْحةٌ إلهيةٌ يهبها الله لمن شاء أن يمنحه جنة الدنيا قبل جنة الآخرة، ولا بُدَّ أن يسعى العبد لتحقيقها من خلال عمله الصالح ومداومته على ما يُحِبُّه الله ويرضاه. والله عز وجل يمن على مَنْ شاء بما شاء؛ ولهذا يتفاوت الناس في مراتبهم في الدُّنيا وفي الآخرة، والرِّضا مرتبةٌ أعلى من الصبر؛ إذ الصبر واجبٌ، أما الرِّضا فمستحبٌّ؛ قال ابن عباس: “إنْ استطعت أن تعمل بالرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع، فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا”، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما: أما بعد، فإن الخير كله في الرضا واخيرا أوصى الجميع واوصى نفسى أن تتحلى بالقناعة والرضى واعتبارهما هدية من الرحمن .
———- خبير الطاقة ومدير عام تنفيذى بشركة صان مصر أحدى شركات وزارة البترول ومحاضر معتمد من مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة عين شمس
زر الذهاب إلى الأعلى