مقالات الرأى

محمد صبحي الغنيمي يكتب:- (( هيكل… يكشف أدق أسرار السياسة المصرية خلال ٤٠ عاماً من مذكراته))

0:00

إن أثر الدكتور محمد حسين هيكل في الحياة رفيعة قبل الثورة، فهو مفكر ليبرالى يؤمن بالحرية والديمقراطية ويحاول أن يرسخ هذه القيم في المجالات المختلفة التي شارك فيها.
وقد أودع الدكتور هيكل خلاصة تجربته السياسية في الأجزاء الثلاثة من مذكراته التي تضمنت مشاركته في صنع السياسة المصرية ومعالجة قضاياها، وأهمها قضيتا الاستقلال والدستور والمحافظة عليهما.

فالكتاب الذي معنا اليوم هو الجزء الثانى مما يعتبر مذكرات للدكتور محمد حسين هيكل التي لم يقدم فيها مجد سيرته الذاتية وإنما ربطها مع مسيرة الوطن السياسية، لتكون شهادة توثق ما عرفه عن قرب أو شارك فيه من الوقائع والأحداث خلال العقود الأربعة من 1912-1952.

الكتاب يتألف من عشرة فصول تتضافر فيما بينها في رسم صورة رائعة لمصر ما قبل يوليو بعيدا عن الضبابية والتعتيم التي غلبت على سير أخرى كثيرة تناولت هذه الفترة، فهو في هذه المذكرات لا يروى سيرته كشخصية فذة فحسب، بل يروى كذلك مسيرة وطن.

يقول الدكتور هيكل في مقدمته الوافية للكتاب كأنما يبرر لنا لماذا أقدم على هذا الفعل وهو كتابة سيرته الذاتية أو كما يسميها مذكرات، ويبدأ في هذه المقدمة في تعديد فوائدها، حيث يراها مناسبة لرسم صورة الماضى لتراه أجيال الغد بصورة لا يشوبها أدنى ريب أو شك بعيدًا عن التعتيم والتضليل فتكون نبراسا لشباب الغد في بناء مستقبل وطنهم بصورة تجلى الفخر والعزاز لهم.
فيقول: «لا يفيد أبناء الجيل الناشئ من هذه التجارب إلا إذا رسمت أمامهم الحوادث التي لم يشهدوها على نحو يسمح لهم بالإفادة من الخطأ لاتقائه ومن الصواب للاستزادة منه وليطوع لهم مجموع ما يطلعون عليه أن يتخذوا منه مادة يصورون على هداها سياسة للمستقبل تلائم طبيعة وطنهم وطبائع أهله، فأما إذا انقضت الحوادث وتعاقب الجيل بعد الجيل ولم يتناول التدوين ما حدث من شؤون الوطن في جوانب حياته المختلفة تدوينه ينظمه ويبوبه بل بقى ذلك مبعثرا في بطون الصحف التي عرضت هذه الحوادث إبان وقوعها، فقد يتعذر على شباب اليوم وأبناء الغد تصوير سياسة ثابتة وقد يبقى التقليد ويبقى الارتجال يطبعان اتجاهات الأجيال التي تأتى من بعدنا ولا شىء أضر من التقليد ومن الارتجال حين تبلغ الأمة مرحلة يجب معها وضع السياسة المستقرة الطويلة الأجل الملائمة لطبيعة الوطن وطبائع أهله».والدكتور حسين هيكل يدرك جيدا أن مصر مرتبطة بمحيطها العربى والإسلامى وأنه لا انفصال لما يحدث في مصر ومدى تأثيره على بقية دول المنطقة العربية والإسلامية، لذا فهو حين يعدد مناقب وفوائد هذه المذكرات يؤكد مجدداً على هذا الدور. ويقول: «مثل هذه المذكرات تتعدى فائدتها حدود مصر، وقامت في البلاد العربية المختلفة منذ بضع عشرات من السنين نهضة تشابه نهضة مصر وهى لهذا تستفيد من تطور الأحوال عندنا ومن وقوفها على الصورة الدقيقة لهذا التطور وهى بعد ترقب ما يجرى في مصر وتحتذى في كثير من الأحيان مثاله، فمن الخير كذلك أن تكون أمامها صورة ما حدث في مصر لهذا القرن العشرين لعلها تفيد من الوقوف عليها ما ينفعها وينفع مصر في وقت واحد،
بل إن الأمر ليتخطى حدود البلاد العربية إلى ما وراءها من البلاد الإسلامية ومن البلاد الشرقية فهذه كتلة ضخمة تتفاعل الحوادث التي تقع في كل واحدة منها مع ما يقع في سائرها وتؤثر في سياسة العالم كله».في الفصل الأول من كتابه يتحدث هيكل عن «فترة انتقال» تناول فيه عدة موضوعات منها: تأليف النحاس باشا الوزارة، والمشكلات التي واجهها في تأليفها، ثم زيارة وفد الصحافة المصرية إنجلترا، واضطراب الحالة السياسية في مصر، وتأثير الرأى العام في سياسة البلاد- المظاهرات ضد المعارضة- تزعزع مركز الوزارة- الخلاف الدستورى بين القصر والوزارة- سير رونالد ستورس والإنجليز والوزارة- وتأييد الهيئة الوفدية النحاس باشا ضد الدكتور أحمد ماهر، والمظاهرة الكبرى لاقتحام منزل محمد محمود باشا، وعلاقته بالقصر، واشتداد الخلاف بين القصر والوزارة، وإقالة النحاس باشا ودعوة محمد محمود باشا لتأليف الوزارة.كما يسرد في الفصل الثانى، الذي سماه وزارة الانتخابات، أحداثا عدة منها:الوزارة الكبرى وكيف تألفت- اشتراكى فيها- الوزير ليس موظفاً- استقرار الطمأنينة وزوال القمصان الزرقاء- الوزارة والبرلمان- الملك يعقد قرانه- حل مجلس النواب- تنظيم الحملة الانتخابية- رئيس الوزارة يفتتحها في القاهرة- حفلة شبين الكوم والحفلات التي تلتها- صلة الحكومة بالشعب. نتيجة الانتخابات- استقالة الوزارة.

ثم يتحدث عن تحريم التشكيلات الأهلية شبه العسكرية، ومجلس الدولة واختصاصه- قفل باب الاستثناء للموظفين- تعديل الوزارة واشتراك السعديين فيها- اعتداد ألمانيا في سياستها بالقوة لمسلحة- سفر محمد محمود باشا إلى لندن- نذر الحرب في أوروبا- اتفاق ميونخ آباد وموقف مجلس الوزراء منه- إعانة شركة (البوستة الخديوية)- فكرة اندماج الحزبين ورفضها- استجواب مزرعة الجبل الأصفر- رئيس الحكومة ومشكلة فلسطين- سفر على ماهر باشا إلى لندن- ثورة في القصر بين على ماهر باشا وكامل البندارى باشا- تعيين البندارى باشا وزيراً مفوضاً في بروكسل- العلاقة بين الملك والسفير البريطانى- فساد الجو بين الملك ورئيس الوزارة- استقالة الوزارة.

وفى الفصل الأخير يتحدث عن تأليف وزارة من الأحرار الدستوريين والمستقلين- وتعيين الملك مستشاراً صحفياً للقصر، واضطراب الأمن في القاهرة، واستقالة صدقى وتأليف والنقراشى الوزارة، ومشكلة فلسطين في الأمم المتحدة، والتمهيد لإنشاء دولة إسرائيل، ومحاربة الدول العربية اليهود، وحياة الملك الخاصة وأثرها في مسلكه وتدخل القصر في شؤون الحكم- حرب فلسطين وأثرها- الضباط الأحرار- الإخوان المسلمون- واغتيال النقراشى، ومقتل الشيخ حسن البنا، وإلغاء معاهدة سنة ١٩٣٦، وحريق القاهرة، وانتخابات نادى الضباط، وبدء حركة الجيش، إيذانا بانتقال مصر من عهد إلى عهد.

زر الذهاب إلى الأعلى