محمد أمين المصري يكتب : هل تندلع حرب بين حزب الله وإسرائيل؟
المؤكد أن لا أحد في العالم يريد حربا أخرى في الشرق الأوسط، وتحديدا في المنطقة العربية، ولو شئنا دقة أكثر، فنحن نقصد حربا شاملة بين حزب الله وإسرائيل، لا يهمنا موقف الأخيرة، فربما اتساع نطاق الحرب بينها وبين لاعبين آخرين يخفف الضغط على قطاع غزة الذي تم تدميره تماما، ولكن الذي يهمنا لبنان على المستوى الإستراتيجي، فهو الذي سيتم تدميره تماما على غرار ما حدث في حرب ٢٠٠٦، في حين أن حزب الله التزم من جانبه منذ حرب إسرائيل الغاشمة على قطاع غزة بعدم تصعيد القتال والمناوشات إلى حرب شاملة بين الطرفين.
حتى بعد الضربات الإسرائيلية – الإيرانية لم نلحظ تدخلا من حزب الله لتخفيف الضغط على الجيش الإيراني، وظل حزب الله ملتزما بخطوط عريضة أهمها عدم التصعيد ليصل الوضع إلى درجة الاشتعال. ولكن مؤخرا بات الوضع صعبا وربما يقترب من التصعيد الذي يصعب تخفيفه لاحقا، خاصة مع تزايد الأصوات في إسرائيل الداعية الجيش هناك إلى تسوية لبنان بالأرض كما فعل في غزة، هذه الأصوات لا تتوقف فقط على قيادات عسكرية أو حكومية، فثمة أصوات إعلامية تطالب يوميا بالتصعيد والقضاء على حزب الله نهائيا، كما لو كان الجيش الإسرائيلي استطاع القضاء على حماس، في حين أنه فشل في هذه المهمة حتى وقتنا الراهن.
دول العالم تنتابها مخاوف من تصعيد القتال إلى حرب شاملة، فمثلا ألمانيا وسبقتها فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، دعت مواطنيها إلى سرعة مغادرة لبنان نظرا إلى خطر التصعيد في العنف بين إسرائيل وحزب الله. سبب مخاوف ألمانيا حتى الآن هي عمليات تبادل القصف بين الطرفين عبر الحدود بشكل شبه يومي منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر على إسرائيل الذي أشعل حرب غزة. وارتفع مستوى التوتر في الأيام الأخيرة بسبب تزايد حدة القصف.
ألمانيا وكما سبقتها أيضا بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة حذرت من أن أي “سوء تقدير” يمكن أن يشعل حربا شاملة بين إسرائيل وحزب الله، داعية إلى أقصى درجات ضبط النفس في ظل ارتفاع منسوب التوتر.
ومما يزيد مخاوف اندلاع حرب يصعب وقفها بين إسرائيل وحزب الله، ما أقدم عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو في الساعات الأخيرة من تفقد الحدود الإسرائيلية مع لبنان، بغرض متابعة تمرين عسكري، وهو الذي استغل الموقف ليعلن من هناك أن إسرائيل سوف تحقق النصر على هذه الجبهة أيضا، إذا اندلعت حرب مع حزب الله، كما لو كان قد حقق انتصارا عسكريا على حماس في قطاع غزة، فهو مجرد يستغل كل المواقف ليعلن انتصاره في الحرب في الوقت الذي يكابد جيشه لتحقيق أي هدف من أهداف الحرب التي أعلنتها إسرائيل على حماس.
التساؤل الذي تطرحه الأحداث الحالية هو:”هل تتحول المواجهات بين حزب الله وإسرائيل إلى “حرب شاملة”؟ .. بداية فإن منطقة الحدود الفاصلة بين لبنان وإسرائيل قد أصبحت منطقة ساخنة يؤججها العنف المتبادل بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، ما أثار كما أسلفنا دعوات في إسرائيل إلى شن حرب موسعة. وبالإشارة إلى تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، يلفت الانتباه إلى تقدم موقف حزب الله عسكريا عن حرب ٢٠٠٦، حيث بات يمتلك قدرات عسكرية كافية خلال العقد الماضي ليشكل الآن “تهديدا استراتيجيا” لإسرائيل. وتنقل المجلة عن مسئول في فيلق القدس الإيراني، الذي يشرف على حزب الله وفصائل أخرى مرتبطة بإيران في الشرق الأوسط ” حزب الله يمتلك في الوقت الراهن ما يربو على مليون صاروخ من مختلف الأنواع، بما في ذلك صواريخ موجهة بدقة وصواريخ كاتيوشا معدلة لزيادة الدقة، بالإضافة إلى صواريخ مضادة للدبابات”. وتتضمن ترسانة حزب الله أيضا طائرات مسيرة مجهزة بصواريخ روسية الصنع، بالإضافة إلى نوع من الصواريخ الإيرانية “ألماس” المزودة بكاميرا، وهي تشبه الصاروخ الإسرائيلي “سبايك”، الأمر الذي غير قواعد اللعبة تماما بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، لأن هذه الإمكانيات العسكرية الجديدة لحزب الله تجعل المقاتلين أقل عرضة للهجمات الإسرائيلية على مواقع الإطلاق.
تقرير “فورين بوليسي” يشير إلى أن كلا الطرفين لا يريدان تصعيد الحرب ويكتفيان بما يجري حاليا من اشتباكات يومية ” الطرفان يحددان حربهما بشكل رئيسي في الأهداف العسكرية، كما يتضح من التصريحات اليومية الدقيقة للأنشطة العسكرية، ويسعيان حتى الآن إلى تجنب وقوع ضحايا مدنيين قدر الإمكان، و يشاركان في نوع مختلف من الحرب، يركزان فيه أكثر على الأهداف الاستراتيجية بدلا من السيطرة الإقليمية”.
الأمر المهم هو حزب الله استفاد بعد حرب ٢٠٠٦ التي حملت نتائج عكسية لإسرائيل حيث سمحت لحزب الله بزيادة ترسانته في أعقابها واستخلاص الدروس من القتال لتحديث تكتيكاته لمواكبة قدرات الجيش الإسرائيلي. وحتى إذا كان هدف إسرائيل الضغط على حزب الله لكشف مواقعه الاستراتيجية أو التراجع إلى مواقع أقل تحصينا، فبعد نحو تسعة أشهر من المعارك المستمرة، يبدو أن حزب الله وإسرائيل يدركان أن أي حرب شاملة بينهما ستكون مدمرة، كما يعرف حزب الله أن لبنان سيتم تدميره، مع وقوع آلاف الضحايا، وتدرك إسرائيل أيضا أن ما واجهته في غزة خلال الأشهر الماضية، من دون تحقيق أهدافها الكاملة، سيكون لا شيء مقارنة بحرب محتملة مع حزب الله.