محمد أمين المصري يكتب: كرة القدم تعيد العراق لمحيطه العربي
لم تمر بطولة “خليجي 25” التي استضافها العراق مؤخرا في محافظة البصرة وفازت بها، مرور الكرام على مستوى العلاقات بين العراق وإيران، فالأخيرة لم تسترح لمسمى البطولة “خليجي”، وقدمت احتجاج شديد اللهجة للحكومة العراقية سلمته لسفير العراق في طهران، وحسب ما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعان فقد طلبت حكومته “اتخاذ إجراءات لازمة بخصوص واقعة استخدام تسمية الخليج العربي من قبل العراق”.
العراق تجاهل الاحتجاج الإيراني تماما، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي استخدم “خليجي” أكثر من مرة وهو يرحب بالوفود الرياضية الخليجية وهى تلعب في بلاده، علما بأن تعبير”الخليج العربي” عبارة دارجة في العراق وعبر كل المخاطبات الرسمية، وكذلك استخدمها زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر في تغريدته التي رحب فيها بتنظيم البطولة في محافظة البصرة.
بداية..فإيران وإن كانت تحكمت كثيرا في مجريات الشئون العراقية لفترة طويلة حتى قبل تولي مصطفي الكاظمي رئيس الوزراء العراقي السابق، لم يكن من حقها دبلوماسيا الاحتجاج، فاعتراضها مردود عليه بالتاريخ والجغرافيا. فتاريخ الدولة لا يعني أن يسود أو يتسيد على بلد آخر، إذ لكل بلد تاريخه ضمن المنطقة ، وحسب خبراء عراقيين فإن أول خريطة، منذ القرن الثامن عشر، كانت فرنسية وتشير إلى مسمى الخليج العربي، وقبلها يذكر التاريخ وجود كسرى ضمن أرض الرافدين ولم يصل إلى ضفتي الخليج الذي حمل أسماء متعددة مثل خليج العرب أو بحر العرب أو بحر عمان أو خليج أو بحر البصرة للمنطقة المحصورة بين مضيق هرمز وبحر العرب. ولم تثبت أي دراسة تاريخية أن الدولة الصفوية والقاجارية والبهلوية كان لها حدود علي ضفتي الخليج ، كما أن شط العرب هو شط يتوسط تكويناً عربيا على ضفتيه، بل حتى جغرافيا العراق حيث إن هناك مساحة للعراق في الجانب الإيراني لكنها عربية. ويؤكد الخبراء أن فترات التاريخ ومنها تاريخ ما قبل الإسلام وعصور الحكم الإسلامي بفتراته الأربع أكبر من أن تقبل طرحا ينافي الصفة العربية للخليج.
المواقف العراقية المناهضة للتصرفات الإيرانية لم تتوقف، فعالم التواصل الاجتماعي أكد رفضه لمثل تلك المواقف التي اعتبروها مواقف “فوقية” تصدر عن بلد يعتبر الآخرين تابعين له ولا يحق التصرف بحرية، فما قامت به إيران من استدعاء السفير العراقي في طهران، احتجاجا على استخدام رئيس الوزراء العراقي التسمية الرسمية للخليج العربي بدلا من الفارسي، يعد مناف للأعراف الدبلوماسية وسابقة خطيرة تظهر مساعي إيران للتدخل والتحكم حتى في الخطاب الرسمي العراقي.
عالم التواصل الاجتماعي بلغ الإيرانيين رسالة مهمة مفادها أن الدول حرة في تسمية أراضيها ومناطقها ومياهها ومعالمها، وليس من حق أي دولة أخرى فرض مسمياتها القومية.. والمثير في الأزمة أن العراقيين استغلوها لإعادة تذكير الإيرانيين بوقائع التاريخ التي ربما يكون الإيرانيون نسوها في زحمة الأزمات المتلاحقة مع كل العالم. بخصوص التسمية الرسمية في الأمم المتحدة كما تدعي إيران، فإنها تمت من قِبل إيران “الشاه” الحليفة لبريطانيا والولايات المتحدة آنذاك، وفي غفلة من الزمن إبان تشكيل الأمم المتحدة في العام 1945، فيومها لم تكن قد تشكلت بعض الدول الخليجية، وكان العراق منشغلا بمشاكله الداخلية ومشاكل الدول العربية الأخرى الرازحة تحت الاستعمار أو الخارجة منه توا..وهو أمر استغلته طهران لتقديم خرائط قديمة تعترف بها وحدها، وحجب خرائط أخرى أكثر أهمية، تشير إلى التسمية العربية للخليج والتي تنسبه بعض تلك الخرائط للبصرة، وهذا لا يمكن أن يستمر للأبد.
يذكر ان طول الساحل العربي على الخليج يبلغ 3.490 كيلومترا، مقارنة بالساحل الإيراني الذي لا يتجاوز طوله 2.440 كيلومترا، بالإضافة إلى أن الدول العربية المطلة على الخليج تبلغ 7 عربية مع إيران الدولة غير العربية الوحيدة.
ويرد العراقيون ونحن معهم بتساؤل مهم للإيرانيين:” لماذا لم تعترض إيران علي أي بطولة خليجية في السابق أقيمت في دولة من دول مجلس التعاون الخليجي؟..ولماذا الاعتراض فقط عندما نظمها العراق؟. مخاوف إيران من عودة الشعب العراقي إلى محيطه العربي والخليجي هو السبب الرئيسي لاحتجاجاتها، فما أظهرته بطولة “خليجي 25” ومدى ارتباط العراقيين بالشعوب الخليجية أثار حفيظة الإيرانيين الذين هالهم الترحيب العراقي بالوفود العربية – رياضيين وجمهور – والتجاوب الذي كان وقت البطولة، فاستقبال الشعب العراقي أشقاه الخليجيين والتفاعل معهم عكس حقيقة الحب والتفاعل بين العراقيين وإخوتهم أبناء الخليج كتعبير عن امتدادهم القومي والعربي، وهي نقطة أغضبت ساسة طهران الذين يريدون الاستئثار بالعراق حكما وشعبا، ولكن يبدو أن العراق بدأ ينفصل عن إيران ويعود عربيا، والفضل في ذلك في المقام الأول يعود إلى مصطفي الكاظمي رئيس الورزاء العراقي السابق.
كلمة أخيرة..الخليج عرف في السابق باسم خليج البصرة، وكان الذين يسكنون على ضفتي هذا الممر المائي من العرب سواء من الأقاليم التابعة لإيران الآن أو من الجهة الأخرى وهي دول الخليج العربي.