مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : فرصة أخرى ضائعة من السودانيين

0:00

عشرة أيام لم تكن كافية لإنجاح مفاوضات جنيف لحل الأزمة السودانية، وطبيعى ألا ينتج عن هذه المفاوضات نتائج إيجابية، ولم لا؟ والطرف الرئيسي ألا وهو الجيش أو مجلس السيادة الحاكم الفعلي للبلاد غير مشارك في المفاوضات، إذ رفض الحضور قائلا إن قوات الدعم السريع لم تلتزم باتفاق جدة الذي ينص على خروج قوات الدعم من منازل المواطنين وتسهيل حركتهم في المدن.
ربما يرى البعض ما تذرعت به الحكومة السودانية لغيابها عن مفاوضات جنيف التي رعتها الولايات المتحدة بهدف إنهاء الأزمة السودانية والحرب الطاحنة التي دمرت معظم أجزاء البلاد إذ أضرت بنحو ٧٠٪ من الأراضي السودانية، وقطعت الطرق والمعابر، وأدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من ١٠ ملايين، وعرضت أكثر من ٢٥ مليونا لخطر الجوع.
عشرة أيام بذلت خلال أطراف دولية وإقليمية جهودا متواصلة عبر اجتماعات جنيف، ولم يتم التوصل لاتفاق لوقف الحرب المستمرة في السودان منذ منتصف أبريل ٢٠٢٣، باستثناء التوصل لشبه اتفاق يمهد الطريق أمام فتح الممرات الإنسانية، وهو ما يشكل بارقة أمل نحو فتح المعابر لإيصال الإغاثة لملايين العالقين في ظل احتدام القتال بين الطرفين، وانتشاره في ٧٠٪ من الأراضي السودانية.
كانت مفاوضات جنيف بارقة أمل للسودانيين في وقف الحرب، واعتبروها فرصة مهمة على الجميع العمل لإنجاحها، لكن يبدو أن اللوم كله يقع في الوقت الراهن على غياب الجيش عن المفاوضات، إذ ربما يتحمل مسئولية عدم إحراز تقدم فيما يتعلق وقف إطلاق النار، وهو ما سيؤدي إلى سيناريو أسوأ يتمثل إلى تفاقم الحالة المأساوية التي يعيشها السودانيون منذ اندلاع الحرب.
فعدم مشاركة وفد للجيش السوداني في الاجتماعات كان عاملا رئيسيا لفشل جهود وقف إطلاق النار، ونقتبس هنا تصريح لنائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار ” الجيش لن يذهب للتفاوض إلا عندما تحين الظروف المواتية وعندما يكون مستعدا لذلك”.. وهو ما يفسر على أن وضع الجيش على الأرض في مأزق، وأنه – أي الجيش – لن يدخل في تفاوض إلا عندما يكون في وضع أفضل ميدانيا وعسكريا. ويفسر البعض عدم مشاركة الجيش بأن التفاوض من موقع الهزيمة استسلام وليس سلاما، ما يعني أن الجيش في حالة هزيمة لا تؤهله للتفاوض وفرض شروطه على الطرف الآخر، أي بعد تغيير المعادلة العسكرية على أرض الواقع، على أن تكون خطوته التالية هي المشاركة في أي مفاوضات من منطق قوة وليس ضعف.
وكان قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد أكد ” “الحرب ستستمر ما لم تتحقق مطالبنا..مُخرجات منبر جدة هي الأساس لأي مفاوضات”. وأبدى البرهان معارضة للوساطة الأمريكية حتى “لو حاربنا ١٠٠ عام”، إلا أنه لم ينس في إعلان رفضه لإرسال وفد من الجيش إلى جنيف التأكيد على الحرب ستستمر ما لم تتحقق مطالبنا والعودة إلى ما قبل مايو ٢٠٢٣..فوضعنا العسكري حاليا أفضل من السابق”. وقد استغل البرهان هذا السياق ليعلن للسودانيين، أن المجلس السيادي يسعى إلى تشكيل حكومة مؤقتة لقيادة الفترة الانتقالية والاهتمام بتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية.
طبيعي أن يعقب أي مفاوضات سواء فشلت أم نجحت الخروج بجملة من السيناريوهات المختلفة لما بعد نتائج الاجتماع، وإذا كان النتيجة كما ذكرنا هي فشل اجتماعات جنيف، فالقادم سيكون أسوأ بالنسبة للسودانيين في ظل عدم تنفيذ طرفي النزاع ” الجيش والدعم السريع” لبنود إعلان جدة، ورفض الجيش المشاركة في مفاوضات جنيف، وعدم النجاح في بناء الثقة، وانتشار ظاهرة تسليح المدنيين والقبائل، وزيادة خطاب الكراهية القائم على أسس إثنية وعرقية والغياب التام للحل السياسي التفاوضي، وجلوس القوى المدنية على كراسي المتفرجين.
يتحدث مراقبون سودانيون عن احتمال – أو هكذا يأملون – أن يصدر مجلس الأمن الدولي قرارا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يلزم الطرفين بتنفيذ اتفاق جدة، وتسهيل الأعمال الإغاثية وتعزيز أعمال التحقيـق المستقل في انتهاكات حقـوق الإنسـان والقانون الإنساني الدولي، بالتعاون مع الأمم المتحدة وبصفة خاصة لجنة التحقيق الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في أكتوبر من العام الماضي. ويتمنى السودانيون تحقق هذا السيناريو لأنه أفضل من توقعات آخرى بنشوب حرب أهلية شاملة تشمل كل الأراضي السودانية إذا فشلت الجهود الدولية في وقف الحرب الدائرة.
وأشد ما يخشاه السودانيين هو اشتداد الحرب الدائرة بما يؤدي إلى تقسيم السودان إلى دويلات يسيطر كل طرف على بعض منها انطلاقا من الوضع الميداني الحالي، حيث يسيطر الجيش على الشمال والشرق، مقابل استحواذ الدعم السريع على نحو ثلثي السودان تقريبا.
وفيما يتعلق بالمكون المدني السوداني وهو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في السودان (تقدم)، فلم يكن أمامها سوى الترحيب بنتائج اجتماعات جنيف بفتح المعابر وحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة إلى جموع الشعب السوداني. وتأمل “تقدم” البناء على مباحثات جنيف وتعزيز الثقة بين الطرفين باتخاذ خطوة شجاعة بوقف كامل لإطلاق النار والالتزام بوقف العدائيات من غير شروط لإعطاء المجال لإغاثة المنكوبين ومجابهة خطر المجاعة وشبح توسع الحرب.
أيا كان الوضع في السودان، فما يجب عمله معروف للقاصي والداني، فالمطلوب حاليا دفع جهود إيقاف هذه الحرب المدمرة ووقف نزيف الدم ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات وتعويض المتضررين.

زر الذهاب إلى الأعلى