محمد أمين المصري يكتب : زلة لسان بلينكن عن جده الروسي
مجرد زلة لسان لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بشأن جذوره الروسية أوقعته في ورطة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ففي مقابلة مع التلفزيون الروسي الرسمي علق بوتين خلال المقابلة بطريقة لاذعة على تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي قال فيها إن جده لجأ من روسيا إلى الولايات المتحدة. ومن الطبيعي إلا يفوت بوتين الفرصة ليسخر من كلمات بلينكن ويقول في المقابلة: ”كل تلك المعطيات موجودة في أرشيفاتنا، لقد غادر الجد الأكبر للسيد بلينكن الإمبراطورية الروسية بالفعل. لقد ولد في مكان ما في مقاطعة بولتافا (جنوب شرقي أوكرانيا حالياً)، ثم عاش فيها لفترة قبل أن ينتقل إلى كييف. السؤال الذي يطرح نفسه. السيد بلينكن يعتقد حالياً أن هذه أرض روسية في الأصل؟ كييف والأراضي المجاورة لها؟“.
وزاد بوتين: ”إذا قال إن جده هرب من روسيا عام ١٩٠٤ بسبب المذابح اليهودية، فإذن على الأقل هو يعتقد أنه لم تكن هناك أوكرانيا في عام ١٩٠٤“.
ورأى بوتين أنه «على ما يبدو، السيد بلينكن هو رجلنا“ بمعنى أن بلينكن بدون أن يدري أكد صحة السياسة الروسية تجاه الحرب على أوكرانيا، فوزير الخارجية الأمريكي صرح بدون وعي منه بأنه لم تكن هناك دولة تدعي ”أوكرانيا“ عام ١٩٠٤، وأن جده غادر الإمبراطورية الروسية وليس أوكرانيا.
تعليق بوتين على تصريح بلينكن لم يكن سوى مجرد كلمات في سياق المقابلة التلفزيونية التي استغلها الرئيس الروسي لكيل الاتهامات للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ووصفه بالكيان الضعيف التابع كلية لرغبة وإرادة واشنطن. والعامل المشترك لردود بوتين على المذيع كان أوكرانيا بطبيعة الحال ”دولة مصطنعة يستخدمها الغرب لتطويق روسيا و إضعافها»“ كما كرر أكثر من مرة في مقابلات صحافية أخيرة، انطلق بوتين مباشرة في حديثه مع التلفزيون الرسمي الروسي من أن بلاده كان عليها أن تبادر في وقت سابق ومبكر لشن عملية عسكرية حاسمة في أوكرانيا.
وأعرب الرئيس الروسي عن أسفه لأن موسكو ”لم تبدأ إجراءات نشطة في أوكرانيا في وقت سابق“..وأن موسكو تعرضت لخديعة من الغرب الذي كان يماطل لإعطاء وقت كاف لتسليح أوكرانيا.
بوتين اتخذ مؤخرا دور ”المهاجم“ في تصريحاته، وربما تخلى عن الدبلوماسية تماما، وكان لحلف شمال الأطلنطي نصيب الأسد من انتقاد الرئيس الروسي ”حلف الناتو أداة للسياسة الخارجية الأمريكية، ولم تعد للحلف تعد له أي فائدة على الإطلاق، ولا معنى لوجوده باستثناء أنه أداة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة تعتقد أنها قد لا تكون بحاجة إلى هذه الأداة، فهذا سيكون قرارها“. ولم يكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعيدا عن حوار بوتين، في إشارة إلى تصريح ترامب قبل أيام بضرورة أن تدفع الدول الأوروبية مستحقاتها لواشنطن إذا إرادت منها الدفاع عنها في مواجهة طموحات الرئيس الروسي، علما بأن ترامب طالب دول الحلف بالتعامل مع ملفات الإنفاق الدفاعي أو المدفوعات الخاصة بـ“المظلة النووية“ للحلف بالتساوي مع الولايات المتحدة، بمعنى ألا تتولى أمريكا مهمة التمويل بمفردها.
في روسيا..لا تمايزات بين الكرملين ووزارة الخارجية، فكلاهما يشكلان خط الدفاع عن روسيا، فما يقوله بوتين لا يختلف أبدا عما يصرح به وزير الخارجية سيرجي لافروف، فالدفاع عن البلاد مسئولية الطرفين معها ولا مجال للخطأ. فلافروف أكد ما صرح به بوتين أخيرا خلال أكثر من مقابلة بأن شروط موسكو لفتح حوار مع الغرب، والقبول بتسوية سياسية في أوكرانيا، تعتمد على شرطين مهمين و أساسيين تضعهما موسكو كإطار لأي عملية سياسية مقبلة، أولهما الإقرار بالمصالح الروسية ”المشروعة“ وفقا لتعبيره على الصعيدين السياسي والأمني في الفضاء الأوروبي. والثاني، القبول بالواقع الميداني – العسكري الجديد الذي يشتمل على الاعتراف بحدود روسيا ”الموسعة“ بما يشمل المناطق الأوكرانية التي ضمتها موسكو العام الماضي، وشبه جزيرة القرم التي فرضت سيطرتها عليها في العام 2014. وثمة هدف ثالث يضاف إلى الشرطين السابقين وهو أن روسيا ستواصل العمليات العسكرية حتى تحقيق الأهداف المعلنة، وأبرزها ”اجتثاث النازية“ في أوكرانيا، و“منع تحول هذا البلد إلى قاعدة غربية متقدمة لتهديد المصالح الروسية“.
تصريحات لافروف كانت خلال جلسة استماع حكومية في مجلس النواب (الدوما)، وشدد فيها على أن ”واشنطن وحلفاءها لا يتخلون عن أحلامهم في إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا. ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، بعد رؤية الأعمال الناجحة للجيش الروسي في مسرح العمليات الأوكراني، لم يعد الغرب يتحدث عن انتصار، ولكن عن كيفية تحقيق ذلك (الهزيمة الاستراتيجية) عبر مساعي منع الرئيس فلاديمير بوتين من تحقيق فوز“. لم يتوقف كلام لافروف عن هجوم الغرب، بل أكد أن الوضع العسكري الحالي لن يتم تغييره في المستقبل، وكل ما تحت أيدي القوات الروسية يعتبر أرضا روسية وعلى الغرب وأوكرانيا التخلي عن فكرة استردادها.
في النهاية..وعودة إلى البداية، تحدث وزير الخارجية الأمريكي عن جذوره الروسية ليدين موسكو ولكنه بدون وعي منه منح بوتين والروس صك البراءة من مهاجمة أوكرانيا، فالجيش الروسي وفقا لما قاله بلينكن فهو يعمل على استرداد ما تم سلبه من أرض الإمبراطورية الروسية.