محمد أمين المصري يكتب : خطط إسرائيل لابتلاع الوطن العربي
ليس مستغربا أن تسرب حكومة بنيامين نيتانياهو الإسرائيلية عمدا تقريرا لوزيرة الاستخبارات في الإئتلاف الحاكم المتطرف، يشير إلى خطة مسبقة بتهجير سكان غزة بالكامل إلى سيناء، ورغم تجاهل حكومة نيتانياهو فحوى التقرير وعدم تأكيده أو نفيه، فالمعنى واضح، ويؤكد أن إسرائيل تستغل الحرب الحالية على القطاع لجعل خطة التهجير حقيقية، ويؤكد أيضا أن الحرب التي تدعي تل أبيب إنها للقضاء على المقاومة الفلسطينية الممثلة في حماس والجهاد، مجرد غطاء لخطتها الجهنمية.
إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي، أعلنت أن هدف الحرب هو القضاء على المقاومة، سواء أكان ذلك بشن حرب موسعة برية وجوية وبحرية، للضغط على سكان القطاع للتوجه قسرا نتيجة القصف الوحشي نحو الجنوب إلى معبر رفح على الحدود مع سيناء، ولكن من الواضح ومن خلال ما كشفه الإعلام الإسرائيلي على مدى الأيام الماضية منذ هجمات حماس على إسرائيل ، توضح إن إسرائيل من خلال الأحداث و الحرب تسعى إلى تحقيق هدفها السري، وهو الترحيل الجماعي لفلسطينيي القطاع ، ولم يتورع الساسة والعسكريون في الكشف عن هذه الخطة مرارا منذ بداية الأحداث، رغم رفض مصر المطلق لهذه الدعوات المغرضة وتشديد القاهرة مرارا على عدم القبول بتصفية القضية الفلسطينية وتفريغ قطاع غزة من سكانه، فأحداث ١٩٤٨ لن تتكرر مرة أخرى مهما فعل الإسرائيليون بأسلحتهم ومقاتلاتهم وبحريتهم مدعومين من الجيش الأمريكي.
وعودة إلى الوثيقة الإسرائيلية المسربة، فقد كشف عنها تقرير لصحيفة “كالكاليست” الإسرائيلية، وأعدتها وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية جيلا جملائيل، مفادها نقل سكان غزة “قسرا” إلى سيناء، بعد نهاية الحرب الدائرة في القطاع الآن. ويكفي أن وكالة ” أسوشيتدبرس“ الأمريكية وصفت وثيقة ”توطين سكان غزة في سيناء“ بانها مؤامرة موثقة .
وقالت الوكالة: القلق من احتمال حدوث نزوح جماعي من قطاع غزة إلى مصر لم يكن من فراغ، كما لم تكن تلميحات المسئولين الإسرائيليين عن نقل الفلسطينيين إلى سيناء مجرد بالون اختبار، لأن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية صاغت اقتراحا، في 13 أكتوبر الماضي، لنقل سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى شبه جزيرة سيناء، وإعادة توطينهم بشكل دائم. ولا يهم هنا أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قلل من شأن وثيقة
وزارة الاستخبارات ووصفه بأنه تمرين افتراضي ”ورقة مفاهيمية“، لكن استنتاجاته أحيت لدى الفلسطينيين ذكريات الصدمة الكبرى التي تعرضوا لها، وهي اقتلاع مئات الآلاف من الأشخاص الذين فروا أو أجبروا على ترك منازلهم خلال النكبة في عام 1948.
وقال نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعليقا على الوثيقة: ”نحن ضد النقل إلى أي مكان وبأي شكل من الأشكال، ونعتبره خطا أحمر لن نسمح بتجاوزه، وما حدث عام 1948 لن يسمح له أن يحدث مرة أخرى“، مؤكدا أن النزوح الجماعي سيكون بمثابة إعلان حرب جديدة.
خطة وزيرة الاستخبارات تهدف إلى الحفاظ على الأمن الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين، ووضع ثلاثة بدائل وهي إعادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى السلطة في غزة، أو دعم النظام المحلي، أو التهجير ”لإحداث تغيير كبير في الواقع المدني في قطاع غزة في ضوء الهجوم غير المسبوق الذي قامت به حماس، كما يرى مؤلفو الوثيقة أن البديل الأخير له الأسبقية الأولى لأمن إسرائيل“.
وتقترح الوثيقة نقل السكان المدنيين في غزة إلى مدن الخيام في شمال سيناء، ثم بناء مدن دائمة وممر إنساني غير محدد، وسيتم إنشاء منطقة أمنية داخل إسرائيل لمنع النازحين الفلسطينيين من الدخول للقطاع مجددا، ولم يذكر التقرير ما الذي سيحدث لغزة بمجرد إخلاء سكانها. كما تحدثت الوثيقة عن إمكانية دعم مصر وتركيا وقطر والسعودية والإمارات للخطة إما ماليا، أو من خلال استقبال سكان غزة المهجرين كلاجئين وعلى المدى الطويل كمواطنين.
الإسرائيليون يدعون إلى نكبة ثانية بحق الفلسطينيين، والفلسطينيون يرفضون وسيرفضون حتى لو تم تسوية غزة بالأرض كما يفعل الجيش الإسرائيلي في الوقت الراهن في مدن القطاع.
أغلب التقدير أن الوثيقة استندت إلى تصريحات سابقة لسياسيين وعسكريين إسرائيليين دعوا إلى نكبة ثانية وحرضوا حكومتهم على تسوية القطاع بالأرض، ومن أبرز هؤلاء السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة داني أيالون الذي انتشر فيديو له منذ بداية الحرب وهو يدعو لمخططه
واقترح أيالون وغيره من العسكريين البعض على الفلسطينيين الفرار من غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر والبحث عن ملجأ في شبه جزيرة سيناء، ويزعمون أن إجلاء الفلسطينيين من غزة هو مجرد إجراء إنساني، لحماية المدنيين بينما تقوم إسرائيل بعملياتها العسكرية.
لم يكن تقرير وزارة الاستخبارات وحيدا في التحريض على إعادة توطين الفلسطينيين بشكل دائم خارج غزة، في عملية تطهير عرقي، حيث نشر معهد ”مسجاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية“، وهو مركز أبحاث إسرائيلي أسسه ويرأسه مسئولون سابقون في مجال الدفاع والأمن، ورقة بحثية تحث الحكومة الإسرائيلية على الاستفادة من ”الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله“ وإعادة توطين الفلسطينيين في سيناء.
وتضاف هذه التقارير المغرضة إلى خطة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق جيورا أيلاند، وتنظيرات شلومو بن عامي وزير الخارجية في حكومة إيهود باراك، الذي أعد خطة مفصلة بهذا الخصوص وتم رفض كل الخطط من جانب مصر التي تصر على مبدأ عدم تصفية القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في البقاء في أرضهم وعدم تركها، حتى لو دعمت الولايات المتحدة خطط التهجير..وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وإن كان بمعني خفي عن إنشاء ممر إنساني في سيناء للمدنيين الفلسطينيين الفارين من القصف الإسرائيلي.
الحشد الأمريكي لم يتوقف على تصريحات وزير الخارجية، حيث انضم له البيت الأبيض أثناء الحرب وأرسل طلبا للكونجرس لتمويل الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة. ولم يخف الرئيس الأمريكي جو بايدن رغبته في تنفيذ المخطط الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين، لأن مجرد أن يرسل البيت الأبيض طلبا بهذا المعنى يؤكد موافقة الإدارة الأمريكية على إعطاء إسرائيل ضوءا أخضر لتنفيذ التطهير العرقي.
إجمالا..الكتابة عن الوثيقة الإسرائيلية لا تعني تخويف المصريين منها، ولكن لإطلاعهم على ما يجري حولنا من خطط يشارك فيها الإسرائيليون والأمريكيون وبعض الأوروبيين، ويكفي تحذير الرئيس عبد الفتاح السيسي من إن التدفق الجماعي للاجئين من غزة سيقضي على القضية الفلسطينية. كما حذر في تصريحات له من أن ذلك الأمر سيخاطر بجلب المسلحين إلى سيناء، حيث قد يشنون هجمات على إسرائيل، ومن شأن ذلك أن يعرض معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل للخطر..
وفي النهاية، محاولة نشر فحوى التقارير الإسرائيلية لا يدعو المصريين إلى القلق، ولكن ليدركوا كم ما يحاك حولنا من خطط خبيثة، فإسرائيل ستظل إسرائيل حتى وإن ربطتنا بها معاهدة سلام، وسيظل السلام باردا لأنه في الغالب لن تكف إسرائيل عن ابتلاع الوطن العربي، وهو الغاية الإسرائيلية الكبرى وليس مجرد فلسطين.