محمد أمين المصري يكتب : بزشكيان..طموحات إيرانية جامحة وصعوبات متوقعة
من الطبيعي أن تشغل أي انتخابات إيرانية العالم، سواء برلمانية أم رئاسية، فما بالنا وأن الانتخابات الرئاسية الأخيرة جاءت إثر مصرع الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في حادثة سقوط طائرة هليكوبتر، فالعالم كله انتظر خلفه الذي كان مسعود بزشكيان المعروف بنهجه المعتدل كرئيس لإيران، المتوقع ألا يجري الرئيس الإيراني الجديد تغييرات جوهرية في إدارة البلاد بسبب ما يردده الجميع من هيمنة المرشد الإيراني علي خامنئي على القرارات المرتبطة بشئون إيران العليا.
ربما لا يهمنا كثيرا الحديث في الشأن الداخلي الإيراني، فهو لا يهم العالم بقدر ما يهم المواطنين بالدرجة الأولى، وكل ما يجري بالداخل الإيراني لا ينعكس بدرجة كبيرة على العلاقات الخارجية لإيران مع العالم، وهنا مربط الفرس، فكل ما يجري التداول بشأن إيران يتعلق بالعلاقات الدولية وكيفية تعامل الرئيس الجديد مسعود بزشكيان مع الإقليم والجوار والعالم، وإن كان الملف النووي هو الذي يأتي على رأس اهتمامات الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.
المؤكد أن بزشكيان مهما تحدث وتعهد إبان الحملة الانتخابية بشأن الملف النووي، فهو لن يستطيع تجاوز المرشد الأعلى الذي يتحكم في إيران داخليا ودوليا، فهو الذي يحدد الأهداف، وعلى النظام تنفيذها، كل قسم يتولى مسئولياته، فالأمن يقوم بأعماله والحرس الثوري يعلم جيدا مهامه واختصاصاته، وكذلك مؤسسة الرئاسة التي لا تبتعد كثيرا عن عقل المرشد، فهو الذي يوجه ويدير. وبالتالي سيكون الملف النووي الإيراني في معية المرشد وليس السياسة الخارجية التي يعلنها الرئيس ورئيس أركانه في وزارة الخارجية، أما الرئيس فربما يكون بإمكانه بحكم قربه أو ابتعاده عن المرشد، التأثير من خلال ضبط إيقاع السياسة الإيرانية. هذا بغض النظر عن تمادي قوة غلاة المحافظين الذين يستمدون قوتهم من قوة المؤسسات التي يسيطر عليها خامنئي، مثل القضاء والقوات المسلحة والإعلام، ومعروف سلفا أن قوة المحافظين كانت حائلا في الماضي دون الانفتاح من جديد على الغرب.
ولكي ندرك مدى صعوبة وضع بزشكيان في رسم ملامح السياسة الخارجية لبلاده، علينا تصور توجيهات خامنئي التي أوصى بها الرئاسة الجديدة، فقد صبت كلها في السياسة القديمة إبان الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، فخامنئي حث الرئيس الإيراني المنتخب بتبني نفس السياسة الخارجية التي قادها وزير الخارجية الأسبق جواد ظريف وتبعه حسين عبد اللهيان.
أما بزشكيان نفسه فقد تعهد إبان حملته الانتخابية، بانتهاج سياسة خارجية براجماتية وتخفيف التوتر مع القوى الست الكبرى التي شاركت في المحادثات النووية المتوقفة الآن لعودة العمل بالاتفاق النووي المبرم في ٢٠١٥. وفوزه هنا يأتي جاء بمثابة انتكاسة للمتشددين وعلى رأسهم منافسه سعيد جاليلي الذي يعارض أي انفتاح على الغرب وإحياء الاتفاق النووي.
الرئيس الإيراني يأمل أن يؤدي إحياء المحادثات مع الغرب إلى رفع العقوبات الأمريكية والدولية على بلاده بهدف تخفيف المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الشعب الإيراني..وليس مهما ما أعلنه جون كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لاستئناف المحادثات النووية مع إيران في عهد الرئيس الجديد، فهذا تصريح دبلوماسي ليس الغرض منه سوى ابتزاز بزشكيان للتنازل عن التشدد الإيراني في أي محادثات مقبلة بشأن الملف النووي الذي أوقف العمل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأعاد فرض عقوبات قاسية على إيران، ولم يحركه الرئيس الحالي جو بايدن، في حين أن الملف سيتوقف نهائيا لمرحلة جديدة في حالة فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
الرئيس الإيراني الجديد يواجه مشكلة أمام ناخبيه من تيار الإصلاحيين باعتباره ممثلهم في الدولة الآن، ويتساءل هؤلاء “أمام بزشكيان طريق صعب..وأي إخفاق له في عودة العمل بالاتفاق النووي سيضعف موقفه محليا ويؤدي أيضا إلى رد فعل عنيف ضد المعسكر المؤيد للإصلاح الذي قدم له الدعم”. وبالتالي..أي إخفاق في إحياء الملف النووي سيمثل نقطة ضعف للرئيس الإيراني، خاصة وأن التحرر من العقوبات الأمريكية كلفت إيران مليارات الدولارات من دخل النفط، وسيظل الهدف الاقتصادي الأعلى لبزشكيان هو تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد والمواطن على السواء. وربما يكون الاقتصاد المتأزم نقطة انطلاق لبزشكيان لإحياء الملف النووي مع الغرب، لأنه أي تحسن اقتصادي سيخفف من حدة المتاعب المعيشية للمواطنين الذين هزوا صورة السلطة الدينية والملالي عندما نظموا احتجاجات ضخمة عام ١٩١٧، ومن هنا يخشى الجميع تكرار مثل هذه الاحتجاجات التي تكلف الدولة تصدير صورة ذهنية سيئة عن إيران ومدى القمع الذي يعيشه المواطن في عهد خامنئي المتشدد وأعوانه من الملالي المحافظين، الذين يدركون تماما أن الفشل الفشل في تحسين الاقتصاد سيؤدي إلى احتجاجات مجددا في الشوارع، لأن لدى الناس آمالا كبيرة الآن بسبب وعود حملة بزشكيان.
بيد أن المعضلة الأصعب للرئيس الإيراني الجديد هي كما أسلفنا احتمال عودة ترامب الذي يرفض تماما الاتفاق النووي، الأمر الذي يقلل من توقعات تحسن الاقتصاد .
نجاح بزشكيان يعتمد بالدرجة الأولى على المساحة المتروكة له من قبل الحرس الثوري وغلاة المتشددين الذين يأتمرون بأوامر المرشد الأعلى، وتظل تطلعات الشعب الإيراني مرتبطة بمدى تنفيذ تعهده بإحداث تغيير يسهم في خروج إيران من قبضة العقوبات الأمريكية، وتحسين العلاقات مع الغرب، مما قد يوجِد مجالا لتسوية خلافاتها مع القوى العالمية حول أنشطتها النووية، وبالتالي تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية على إيران إذ من شأن ذلك أن يحدث حراكا للاقتصاد الإيراني، ويدعم أسهمه بزشكيان محليا، في حين ستواجهه الكثير من التحديات على رأسها أن “الكلمة الحاسمة” كما أسلفنا في الاتفاق مع الغرب لن تكون له بل للمرشد الإيراني ذاته، فضلا عن الموقف في الانتخابات الأمريكية المقبلة، وكذلك صعود اليمين المتطرف بأوروبا.