محمد أمين المصري يكتب : المنقوش ضحية الكبار..والغراب الإسرائيلي واحد
لم يكن لقاء عابرا، وإن لم يكن جديدا، فهو الجديد القديم، جديدا في توقيته، قديما في طريقته..فهكذا فعل الإسرائيليون مع السودان، التقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو مع الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، وهو اللقاء الذي استضافته أوغندا في فبراير 2020 بترتيب مسبق بين الطرفين ولم يكن مفاجئا.
مجلس السيادة السوداني رفض القبول بالحقيقة وأنكرها ولكن الإسرائيليين كعادتهم وهم الذين يعملون ك”الغراب” أعلنوا وكشفوا المستور، فمن أهم مصالحهم الكشف عن أي مستور تم سرا مع قادة عرب، وهو يراه العرب عورة، والعورة هي إقامة علاقات مع إسرائيل.
نفس ما تم بين نيتانياهو والبرهان، فعله الإسرائيليون مع الليبيين ولكن بمرتبة أقل، على مستوي وزيري الخارجية، إيلي كوهين من إسرائيل ونجلاء المنقوش من ليبيا، ممثلة لحكومة الوحدة المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
كشف اللقاء أشعل الإجواء في ليبيا المقسمة بين طرابلس وبنغازي، بين المجلس الرئاسي والحكومة المؤقتة في طرابلس وبين البرلمان في بنغازي، دولة منقسمة بين ثلة من المتحاربين بغض النظر عن مصلحة بلادهم.
الدبيبة تنصل من فضيحته بإقالة وزيرة خارجيته التي فرت إلى تركيا، وحاول السير على خطى القذافي فأعلن من أمام مقر السفارة الفلسطينية في طرابلس – في مشهد درامي قديم لا قيمة له – إحالة المنقوش إلى التحقيق وهو يعلم أن طائرها حطت في مطار تركي وهو الذي يسر تسفيرها أو تهريبها على عجل درءا للفضيحة. في حين القاصي والداني في ليبيا أن تصرف المنقوش لم يكن فرديا كما زعم الدبيبة، أو بسبب نقص خبراتها على حد إدعائه. فالجميع يشهد لنجلاء المنقوش بخبرات دبلوماسية متميزة وحنكة في مجال عملها، وهكذا أسست لعلاقات قوية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية.
حديث الدبيبة عن تصرف المنقوش الفردي اصطدم بإعلان إسرائيلي رسمي عن لقاء روما الذي تم له على أعلى مستويات، حتى وإن كان نيتانياهو شعر بالندم على إعلان وزير خارجيته إلي كوهين اللقاء. أما عن اختيارها تركيا محطة هروب أو لجوء لها، فترجع إلى علاقات أنقرة الممتازة مع حكومة الدبيبة، فكان اختيار تركيا كملاذ آمن لوزيرة خارجيته لتكون تحت الحماية التركية.
الدبيبة تصرف تصرفا “ماسخا” بتوجهه إلى مقر السفارة الفلسطينية في طرابلس ليعلن من أمامها إقالة المنقوش التي سبق وهربها إلى تركيا، وكان يريد امتصاص غضب الشارع ضد، وهو الشارع الليبي القومي الذي طالب بحل الحكومة، بل وأضرم النار في أحد مقار الدبيبة بالعاصمة، واقتحم الشباب مقر وزارة الخارجية ورفعوا العلم الفلسطيني وطالبوا بتغيير فوري للحكومة ومحاسبتها.
المثير للدهشة، بل الإستياء، أن جهاز الأمن الداخلي الليبي التابع لحكومة الدبيبة، نفي تسهيله مغادرة المنقوش بشكل مفاجئ من مطار معيتيقة بطرابلس، وأعلن الجهاز إدراج المنقوش على قائمة الممنوعين من السفر إلي حين امتثالها للتحقيقات!!
وهنا مربط الفرس، فالجهاز الأمني أعلن وضع اسم المنقوش على قائمة الممنوعين من السفر، وهو يعلم تماما أنها سافرت إلى تركيا بالفعل، ولكن تصرفات الجهاز الأمني لم تخرج عن كونها محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، حتى لو كانت ممجوجة وأن الشعب الليبي يعلم كل هذه الألاعيب.
ومن المنقوش والدبيبة والاعتراضات الداخلية في ليبيا، إلى تاريخ الاتصالات بين ليبيا وإسرائيل، فهي تعود إلى عام 2010 حينما ذهب وفد اتحاد المهاجرين اليهود الليبيين في إسرائيل إلى طرابلس وبحثوا مع السلطات الليبية وقتها الحصول على جوازات سفر ليبية واستعادة ممتلكاتهم . ويتردد أن الاتصالات تجددت العام الماضي، فيما أشارت تقارير إلى أن نجل اللواء الليبي خليفة حفتر زار إسرائيل عام 2021 سرا لعقد اجتماع مع مسئولين إسرائيليين عرض فيه إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين مقابل الدعم الإسرائيلي.
لفت مراقبون إلى أن الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى الخرطوم، الخميس، التي التقى خلالها رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، هي ثاني زيارة له للخرطوم بعد الأولى في يناير 2021، لكنه كان حينها وزيرا للاستخبارات.
ولم يتطرق البيان المقتضب الذي أصدره مجلس السيادة السوداني حول اللقاء إلى “اتفاقيات إبراهيم”، حيث أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أنها كانت تشكل محورا مهما في لقاءات جرت بين مسؤولين سودانيين وإسرائيليين خلال الأسابيع الماضية، بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وقال بيان مجلس السيادة السوداني إن اللقاء “بحث إرساء علاقات مثمرة في المجالات الاقتصادية والأمنية، وتعزيز آفاق التعاون المشترك بين الخرطوم وتل أبيب في مجالات الزراعة والطاقة والصحة والمياه والتعليم والمجالات الأمنية والعسكرية”.
ومن ليبيا إلى السودان، فثمة عامل مشترك بين الإثنين، وهو إيلي كوهين، فكان وزيرا للمخابرات صاحب السبق في ترتيب اللقاء بين نيتانياهو والبرهان عام 2021، وهو نفسه وزير الخارجية في الحكومة الإسرائيلية الحالية الذي التقي بنظيرته الليبية نجلاء المنقوش.
كوهين زار العاصمة السودانية الخرطوم مرتين، في يناير 2021 قبل شهر تقريبا من لقاء نيتانياهو-البرهان في أوغندا، والثانية في يناير الماضي والتقي فيها البرهان. عقب اللقاء أصدر مجلس السيادة السوداني، لم يتطرق فيه إلى
“اتفاقيات إبراهيم”، في أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أنها كانت تشكل محورا مهما في لقاءات جرت بين مسئولين سودانيين وإسرائيليين خلال الأسابيع الماضية.
بيان مجلس السيادة السوداني قال كلاما معتادا في الإعلام العربي، وذكذ أن اللقاء “بحث إرساء علاقات مثمرة في المجالات الاقتصادية والأمنية، وتعزيز آفاق التعاون المشترك بين الخرطوم وتل أبيب في مجالات الزراعة والطاقة والصحة والمياه والتعليم والمجالات الأمنية والعسكرية”..علما بأنه لا توجد علاقات رسمية بين تل أبيب والخرطوم، ولكن وكما سبق فإسرائيل تتعامل مع “الأغيار” ك”الغراب” تحوم كثيرا حوله قبل الانقضاض عليه وهو في حالة إنهاك وإعياء شديدين، إذ كشفت إسرائيل عقب لقاء كوهين – البرهان في يناير الماضي عن ملامح اتفاق سلام مع السودان، وتحديدا في 12 فبراير الماضي ذكر الإعلام الإسرائيلي أن إسرائيل والسودان وضعا اللمسات الأخيرة على نص اتفاق سلام بين البلدين، من المقرر توقيعه “في غضون أشهر قليلة”. وأعلنت إسرائيل أن وزير خارجيتها إيلي كوهين أجرى زيارة دبلوماسية “تاريخية” إلى الخرطوم ، على طريق توقيع اتفاق سلام بين البلدين في واشنطن. وأفاد بيان الخارجية الإسرائيلية أن كوهين التقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان. وأوضح البيان أن الزيارة تهدف إلى “توقيع اتفاق سلام مع السودان في وقت لاحق من هذا العام”. وتابع: “خلال الزيارة التي تمت بموافقة الولايات المتحدة، وضع الطرفان اللمسات الأخيرة على نص الاتفاق، ومن المتوقع أن يتم حفل التوقيع بعد نقل السلطة في السودان إلى حكومة مدنية سيتم تشكيلها كجزء من عملية الانتقال الجارية في البلاد”.
ولكن اندلاع الحرب بين الأصدقاء القدامي والفرقاء حاليا، الفريق البرهان ومنافسه محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، لم يسمح بإعلان اتفاق السلام الذي كشفه الإسرائيليون.
ربما نلحظ أن وقائع الدراما تتكرر في حياتنا، فمثلا نري في الأفلام العربية أن تجار المخدرات أو زعماء العصابات الكبار يظلوا بعيدين عن أعين الشرطة، في حين يضحون ب”صبيانهم” وتسليمهم لأجهزة الأمن التي تعلم تماما من هن الجناة والمجرمين الحقيقيين، ولكن الشرطة ترضى بصغار المجرمين كترضية بين الطرفين.
هكذا هو الواقع الذي نعيشه على مستوى الدول، الدبيبة يضحي بالمنقوش في حين هو الجاني الحقيقي، وهكذا يفعل غيره وغيره.